الحماية الفكرية للإبداع الإنساني حق لا يجادل فيه إلا جاهل، والإبداع الإنساني مفهوم عام، يشمل الكتابة والتأليف ويصل لما هو أبعد وأكبر وأعظم، إلى كل مخترع ومبتكر، هي حقوق لمن فكر وعمل على تحويل ما كان يعتبر ضرباً من الخيال ليكون واقعاً يعيشه الناس، وكم سمعنا من يتباكى على منتج إنساني، سواء في المجال الأدبي أو في مجالات أخرى عندما أعلن عنه وظهر للناس وحقق انتشاراً وقبولاً، حيث يقول يا خسارة لأني فكرت بنفس الفكرة.
غني عن القول أن مثل هذا الأسف لا يجدي، بل ليس له موقع في عالم متحرك، وهذا يقودنا للشاعر الألماني جوته، والذي عبر عن مدى الألم الذي سكن روحه بسبب أنه تجاهل أفكاره وتركها تموت.
وذلك عندما شاهد ما حصل في باريس حين اخترع الأخوان مونجولفيه المنطاد الذي نجح في حمل الإنسان نحو السماء لأول مرة في تاريخ البشرية، حيث كتب بحزن بالغ: «لقد خرجت البالونات إلى الوجود وما كنت إلا قاب قوسين أو أدنى من اختراعها، وها هو الأسى يتملكني لأن الحظ جانبني فلم أكن السباق إلى ابتداعها».
الابتكار أو الاختراع لا يسجل إلا باسم من عمل عليه وأخرجه إلى الوجود، وتدوين المبتكرات والإبداعات بأسماء أصحابها هو حق مسلّم به في كل زمن ومكان.
عن الوضع في مجال البحوث والدراسات العلمية حدث ولا حرج، خاصة في عالمنا العربي، حيث فنون النسخ واللصق منتشرة، بل وصل الحال إلى أن افتتاح متاجر تسمى بخدمات الطالب الجامعي أمام أبواب الجامعات ليس في بلد عربي واحد وإنما في عدة بلدان.
ومن ضمن الخدمات التي تقدمها هذه المتاجر إعداد البحوث العلمية، بل واختيار الموضوع وتنفيذه وفق الأسس العلمية وما على الطالب أو الطالبة إلا الدفع عند التسليم، ومن ثم يذهب للجامعة ليسلم أستاذه البحثَ ليمنحه الدرجة الكاملة.
الصورة أيضاً قاتمة عند النظر في مجال الإبداع الأدبي، حيث تلفحنا عدة قصص لسرقات ليس لمقال أو لقصيدة أو لعنوان، بل سرقة كتب بأكملها أو نقل مقاطع كثيرة تمثل صلب عمل أدبي، ولكي نكون أكثر وضوحاً وشفافية فإننا لا يمكن أن نحصر هذه الوصمة في العالم العربي فقط، فهي تتكرر في كل بلد.
تذكرت في هذا السياق سرقة من نوع آخر، لكنها تبقى سرقة وهي الحصول على شهادات عليا مثل الماجستير والدكتوراه، من جامعات وهمية أو حتى غير معترف بها، بمجرد أن تقوم بتحويل مبلغ مالي تصلك شهادة جامعية بتقدير امتياز، وأنت في منزلك، والذي يتعب ويكد للحصول على شهادة تأتي أنت وتأخذ كل تعبه وجهده وعمله وتسرق منه أحلامه وطموحاته؛ لأنك ببساطة حصلت على وظيفته.
والأدهى والأمرّ أنك لا تجيد العمل لأنك أصلاً لم تتعلم وتدرس التخصص المذكور في الشهادة، فالمعضلة من جانبين حرمان المستحق الفعلي للوظيفة، وحرمان الناس والمجتمع من تطور الخدمات؛ لأنه يوجد في هذا المنصب موظف ضعيف الضمير سارق لا يجيد العمل فيعطل المصالح ويعرقل التنمية.. واقع في بعض المجتمعات عند مراجعته لا يمكنك إلا أن تصاب بحالة من الحزن والألم.