في شهر مارس المنصرم وتحديداً في الثاني عشر منه حلت ذكرى وفاة الفنان المبدع عادل خيري، الذي رحل في ذلك اليوم من عام 1963، عن 32 عاماً فقط، من بعد حياة قصيرة، لكنها حفلت بإبداعاته الكوميدية الراقية التي لا تزال محفورة في وجدان الناس، حيث إنه أبصر النور بالقاهرة في 25 ديسمبر 1931 ابناً لوالده المؤلف المسرحي والسينمائي والشاعر المعروف بديع خيري (شريك ورفيق درب المبدع الكبير نجيب الريحاني).
نشأ عادل في حي روض الفرج الشعبي مع أشقائه الثلاثة (مبدع ونبيل وآمال) قبل أن ينتقل مع عائلته للإقامة في حي باب اللوق. ونزولاً عند رغبة والده، درس الحقوق بجامعة القاهرة التي تعرف فيها على زوجته إيناس حقي (بطلة العالم في السباحة وعبور المانش) التي أنجبت له ثلاثاً من البنات (عطية التي تعمل في مجال الغرافيك والرسوم المتحركة، وعزة التي تعمل طبيبة في هولندا، وعبلة وهي سباحة عالمية وخريجة تجارة القاهرة وتعمل في القطاع المصرفي).
أثناء دراسته في كلية الحقوق شارك بالتمثيل في فرقتها المسرحية، ما لفت انتباه صديق والده الريحاني لموهبته، فجعله يحترف التمثيل بفرقته المسرحية، وكانت أول مسرحية يشارك فيها بفرقة الريحاني هي «أحب حماتي» مع حسن فايق وخالته ماري منيب، كما أنه اتفق مع الريحاني أن يرسله إلى إيطاليا لدراسة الإخراج المسرحي.
وبعد عودته، وكان الريحاني قد توفي، نصحه والده أن يستكمل دراسته في الحقوق، فاستجاب وتخرج محامياً وصار يعمل في المحاماة قبل أن يطلقها نهائياً ويركز على العمل المسرحي تمثيلاً وإخراجاً، حيث راح يؤدي دور الريحاني في مسرحياته الخالدة، ومنها: «الشايب لما يدلع» و«كان غيرك أشطر» و«لو كنت حليوة» و«يا ما كان في نفسى» و«30 يوم في السجن» و«حسن ومرقص وكوهين» علاوة على مسرحية «إلا خمسة» التي أصعدت نجوميته إلى السماء، وأغرت المخرج عز الدين ذو الفقار عام 1960 لطلبه كي يمثل في فيلمه «البنات والصيف» (القصة الأولى من بطولة كمال الشناوي ومريم فخر الدين).
وبالمثل استدعاه المخرج نيازي مصطفي في العام نفسه ليؤدي دور البطولة أمام مها صبري وصلاح ذو الفقار في فيلم «لقمة العيش» الذي أدى فيه عادل خيري ببراعة وكوميدية لافتة للنظر دور رجل وامرأة.
أما حكاية وفاته المحزنة فقد روتها ابنته الكبرى عطية خيري للصحافة، قائلة ما مفاده أن بيت جدها «بديع خيري» كان كئيباً لأن الأخير كان يعيش على كرسي متحرك بعد أن استؤصلت أصابع قدميه العشرة من جراء مضاعفات السكر، كما أن جدتها (من عائلة جدها) كانت هي الأخرى مصابة بالسكر الذي أفقدها البصر، ثم جاءت نكبة والدها الذي توفي شاباً بسبب إصابته هو الآخر بالسكر وتليف الكبد، فخيم الحزن أكثر على المنزل، خصوصاً بعد أن تألم جدها من فراق ابنه عادل الذي كان يعتبره امتداداً له في عالم الفن إلى أن أصيب بالاكتئاب وتوفي عام 1966.
وأضافت عطية: «قبل وفاة والدي بعام كان لا يستطيع أن يستكمل العرض المسرحي دون يأخذ بعض الحقن والأدوية في فترات الراحة بين فصول المسرحية، واستمر الحال على هذا النحو حتى توقف نهائياً عن العمل في المسرح في أواخر أيامه بعد أن ساءت حالته وأصبح مقيماً في المستشفى بصفة مستمرة، تاركاً دوره على المسرح لزميله محمد عوض.
وقد حكت لي والدتي أن أبي (زهق) من البقاء طويلاً في المستشفى والابتعاد عن رؤية جمهوره، فقرر الذهاب ذات مرة إلى المسرح. وبعد أن انتهى العرض توجه إلى خشبة المسرح من الكواليس فضجت القاعة بالتصفيق طويلاً له، فانهمرت الدموع على وجنتيه متأثراً بحفاوة الجمهور به. وبعد هذا المشهد بأيام توفي، وكأنه كان يريد أن يلقي نظرة الوداع على المسرح الذي ارتبط به منذ أن كان يذهب إليه وهو طفل بصحبة والده».