هل نسي القلم شيئاً مهمّاً، في مأزق تغريز المناهج العربية في طين تطوير العربية؟ لعلّه نسى شرّ البلية. لقد كان منتهى المرام، أن يبثّ واضعو المناهج شحذ الخيال في كل مادّة دراسية، فخابت مساعي الأماني، فأمسينا نتمنّى، على طريقة المتنبي، أن يمنّ الله عليهم هم بالخيال لإطلاق خيول التجديد. مأساة الكوميديا أن تصير هي نفسها كوميديا.
في عصر تعملق علوم الكون والأرض، وتألق العلوم العصبية والذكاء الاصطناعي، لا ينبغي للمناهج أن تظل متأرجحةً بين دار لقمان وعادة حليمة. التحوّل الفكري اللائق بالمؤسسات التعليمية، هو شقّ دروب جديدة كليّاً، من دون التنكّر للجذور ومقوّمات الهويّة. بهذا التغيير يدرك التربويّون أن هذا التحوّل الأصيل كان يجب حدوثه قبل أربعة عشر قرناً، يوم قال الإمام علي، كرّم الله وجهه، ما مفاده: «لا تُعلّموا أولادكم ما عُلّمتم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم». تعليمات مدوّخة، وإلاّ فما التطبيقات الخارقة التي كانت ممكنةً في ذلك العهد؟ اليوم لو أصدر أصحاب القرار في العالم العربي أمراً إلى أكبر خبراء التربية: أن هاتوا مناهج جديدةً مختلفةً من الأساس، من منطلق استشرافي مستقبلي، لاصطكّت رُكبهم وتَصبّب عرقهم وقالوا: يا ليتنا كنّا نسياً منسيّاً.
الأمور بسيطة نظريّاً: عصر علوم الكون والأرض، يعني أن يضع الخبراء في الحسبان أن تلميذ الصف الأول الابتدائي، تربطه علاقة 13.8 مليار سنة بمادّة الكون، فهيدروجين جسمه من الانفجار العظيم، وأوكسجينه وكربونه وسائر عناصره من النجوم. له أواصر عضويّة بالخلية الأولى على سطح الأرض. الفيزياء والكيمياء والأحياء، منه وإليه قبل أن تغدو علوماً في الكتب والدفاتر.
عصر العلوم العصبيّة يعني أن الصغير الذي وضعه الأبوان أمانة لدى المدرسة، تحتضن جمجمته أعظم حاسوب في الكون، يضمّ 86 مليار خلية عصبية، بينها 86 تريليون تشابك عصبي. هل تعرف المدارس جهازاً في الكون أعظم من ذلك الحاسوب الذي أهدى أولياء الأمور إلى المؤسسات التعليمية عشرات الملايين منه في العالم العربي؟ هل تتفكر أنظمة التعليم، عندما ترى مآسي التخلف جاثمةً على الديار العربية، في أن أصل الداء هو إهمال تلك الحواسيب الخارقة المبدعة؟
لزوم ما يلزم: النتيجة العرفانية: على مناهج التربية أن تقول للمدرّس عن التلميذ: «أتحسبُ أنه جِرمٌ صغيرٌ.. وفيه انطوى العالم الأكبرُ»؟