رفضت إسرائيل عرضاً قدّمه "حزب الله" لها، قبل يومين، عبر القنوات المعتمدة بينهما.
عرض "حزب الله" لإسرائيل يقضي بالعودة إلى "قواعد الاشتباك" السابقة، أي إبقاء المواجهات الصاروخية محصورة بالمساحات الملاصقة للحدود اللبنانيّة - الإسرائيلية.
لقد حاول "حزب الله" الاستفادة من توجيه صاروخ "بركان" الشديد الانفجار نحو مساحة مفتوحة في إحدى المستوطنات الإسرائيلية، من أجل حثّ أصحاب القرار في إسرائيل على الموافقة.
ولكن الحكومة العبرية رفضت العرض، وردّت عليه بتوسيع استهدافاتها وتزخيم التصعيد الذي دخل، في الثالث والعشرين من آذار (مارس) الجاري، واحدة من أخطر مراحله!
ولا يمكن تكذيب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بعدما وضع شاهدين على كلامه، وهما نظيره الأميركي لويد أوستن والوسيط الأميركي عاموس هوكتشاين، عندما كشف، أمس، عن أنّه أبلغ الإدارة الأميركية بعزم بلاده على تزخيم المواجهة مع "حزب الله"، لجهة توسيع نطاقها ورفع حدّتها!
وقدّم "حزب الله" عرضه لإسرائيل بالعودة إلى "قواعد الاشتباك"، بعدما وصلت إليه، عبر "صندوق البريد" الذي يعتمده هوكشتاين، أجواء التفاهم الجديد بين وزارتي الدفاع الأميركية والإسرائيلية، بخصوص الجبهة اللبنانية.
تفاهم يقتضي برفع إسرائيل وتيرة استهدافاتها لـ"حزب الله"، ولكن من دون تنفيذ أيّ عملية اقتحام بريّة للبنان، إذا بقيت "الجمهورية الإسلامية في إيران" عند التكليف الشرعي للحزب بوجوب الالتزام بقواعد" الصبر الإستراتجي"!
وبات "حزب الله" يخشى، إذا جنحت حساباته عن الدقة الواجبة، من أن يتحوّل إرجاء العملية البريّة الإسرائيلية، لأسباب دبلوماسية وسياسية ولوجستية، ضد مدينة رفح في قطاع غزة، إلى مناسبة تتيح للجيش الإسرائيلي بتحويل "المعركة الحدودية" مع لبنان إلى حرب حقيقية، في ظل تمتع هذا الجيش بتفوّق نوعي عليه، بدليل أنّه، على الرغم من كل التدابير التي اتخذتها "المقاومة الإسلامية في لبنان"، فشلت في سد الثغرات التي ينفذ منها الجيش الإسرائيلي لاستهداف "نخبة" مقاتليها أينما كانوا في لبنان أو في سوريا، بحيث أصبح عدد شهدائها أكبر من عدد قتلى هذا الجيش في قطاع غزة.
ويواجه "حزب الله" مأزقاً غير مسبوق، فهو، دخل في "حرب طوفان الأقصى" على أساس "وحدة الساحات"، ولكنّ إسرائيل بدعم من حلفائها الغربيّين فتّتت هذه الوحدة، فجبهة لبنان لم تفلح في ردع إسرائيل في قطاع غزة، وجبهة غزة لم تعد قادرة على إلهاء إسرائيل عن جبهة لبنان، والضفة الغربية تعاني مصاعب كبيرة وبدت، على الرغم من النداءات المتكررة، عاجزة عن تنظيم ولو شبه انتفاضة، والمقدسيون، على الرغم من عشرات الآلاف الذين يحتشدون كل جمعة للصلاة خلال شهر رمضان، لا يُحدثون ضرراً لإسرائيل يوازي حتى تلك الأضرار التي يتسبب بها المتظاهرون الإسرائيليون ضد بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية، و"حوثيو اليمن" باتوا في مشكلة مع ائتلاف دولي يعسكر البحر الأحمر، وصواريخ "المقاومة الإسلامية في العراق" التي تنطلق نحو إسرائيل لا يزال حبرها أكثر تأثيراً من بارودها، وسمعة الجمهورية الإسلامية في إيران "تبهدلت"، بحيث اتضح أنّ "المقايضة" هي هدف شعاراتها "القدسية"!
وحتى لو كانت إسرائيل في هذه المرحلة غير معنية بتوسيع الحرب بل بتوسيع الاستهدافات فقط، فإنّ قدرة "حزب الله" على التحمّل وصلت إلى أسوأ وضعية، فهو يعاني، على سبيل المثال لا الحصر، شبه عزلة وطنية، في ظل رفض غالبية المكوّنات الوطنية لـ"حرب المشاغلة"، كما يعاني أنين بيئته الحاضنة التي اتشحت معظم نسائها بالسواد.
وليس هناك إنجاز واحد يمكن أن يتباهى به "حزب الله"، على الرغم من تفعيل ماكينته الدعائية التي، بفعل الحاجة إلى تضخيم أي حدث، تظهر تافهة، مثل تفاخرها بصورة صاروخ، أو ظهورها منتشبة بحريق في أحد أحراج شمال إسرائيل، أو في اعتبارها رفع صوت شماليّي إسرائيل ضد حكومتهم بمثابة انتصار لها.
وإذا كان "حزب الله" قد دفع بالحكومة الإسرائيلية، ومن أجل إدارة معركة الجبهة مع لبنان، وفق ما يلائمها، إلى إجلاء سكان 42 بلدة وقرية إسرائيلية، فإنّ ذلك لم يحصل من دون ثمن باهظ على الجانب اللبناني، بحيث اضطر أكثر من مئة ألف لبناني إلى النزوح من بلداتهم ومنازلهم وأعمالهم!
يتمتع "حزب الله" بنقطتي قوة في كل مواجهة مع إسرائيل. الأولى قدرته على تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة، إذا دخل لبنان، والثانية، قدراته الصاروخية الهائلة القادرة على إلحاق خسائر كبيرة بإسرائيل.
ولكنّ "حزب الله" لا يمارس أفعال المقاومة، وبالتالي فميزته الميدانية غير قابلة للاستعمال، كما أنّ هذا الحزب يمتنع عن استعمال طاقته الصاروخية الكبيرة لأنّه يخشى من رد إسرائيلي تدميري لا يمكنه أن يتحمّل تداعياته، إذ إنّ وضعية لبنان المالية والاقتصادية، بالإضافة إلى علاقاته العربية والخليجية والدولية، ليست في وضعية عام 2006، وبالتالي، فإنّ وقف النار، إذا اندلعت الحرب، سيكون له ثمن ميداني مرتفع، وإعادة الإعمار لن تكون من دون مقابل سياسي، أبداً!