: آخر تحديث

تعزيز دور اللغة الأم عربيا يحتاج إلى وقفة

18
16
16
مواضيع ذات صلة

لقد أثار مقر من مقررات الملوك والرؤساء والقادة العرب حول الاهتمام باللغة العربية وتعزيز دورها في الحفاظ على الثقافة العربية والإسلامية اهتماما بالغا. ربما كان مؤتمر القمة الأخير في جدة الوحيد من بين 23 اجتماع قمة الذي تصبح فيه اللغة الأم مادة أساسية للنقاش على المستوى الكبير هذا.

لقد ربح محبو اللغة الأم بصورة عامة، والناطقون بالعربية بصورة خاصة، من هذا المؤتمر الذي أظن أنه أثلج صدورهم ودشن الخطوة الأولى صوب تحقيق طموحهم لتعزيز مكانة اللغة العربية، ومن خلالها وبوساطتها أركان الثقافة العربية.

وفي رأيي المتواضع، يعد المقرر الخاص باللغة الأم واحدا من أهم المقررات التي أصدرها القادة والزعماء والرؤساء العرب في العصر الحديث، لأن الواقع الذي يعيشه لسان الضاد واقع لا يحسد عليه.

ما فائدة أن تستقدم أفضل الجامعات والمدارس الأجنبية وأفضل الأساتذة الجامعيين والمدرسين في العالم، لكن لغة المخاطبة والتدريس والبحث ليست اللغة الأم؟

وما فائدة جيل يحمل شهادات جامعية لكن لا يعرف لغته الأم ولا علم له بما تحمله من ثقافة وأدب وفنون وشعر وفكر وفلسفة.

ينتابني حزن وعجب عند وجودي في جامعات في أقطار عربية كأستاذ زائر وأرى أن الناس تدفع بأبنائها وبناتها إلى الجامعات والمدارس الأجنبية حيث يتلقون علومهم بلغة ليست لغتهم الأم.

وإنه حقا لأمر مدهش وصاعق أن ترى المؤسسات وعلى الخصوص التربوية والتعليمية تروج للتدريس بغير اللغة الأم.

بيد أن ما يؤلم القلب ويجعل المرء في حيرة من أمره كأستاذ جامعي زائر في بلد عربي هو الفقر الكبير عند تعلق الأمر بتملك ناصية اللغة العربية، ليس هذا فقط بل ما يرقى إلى جهل كبير بالثقافتين العربية والإسلامية.

من النادر أن تلتقي طالبا أو طالبة تعرف من هو الشاعر العربي البارز أو العالم العربي صاحب القدح المعلى أو المفكر والفيلسوف العربي الذي لا يشق له غبار في أي من العصور من التاريخ، بينما السؤال ذاته إن أثرته في جامعة أجنبية لربما لقيت الجواب.

ولي تجربة مريرة عند تدريس طرائق الكتابة باللغة العربية، حيث إن هناك نقصا كبيرا في المعلومات الأولية من حيث النحو والصرف وتكوين الجملة بالعربية وغيره.

وهناك أيضا إشكال في طرائق تدريس اللغة العربية، التي لا تزال في معظمها تنحو صوب التقليد وحفظ أمثلة وجمل من النادر أن يتكئ عليها الطالب أو الطالبة في حياتهما العملية.

ومن بين ما تعانيه اللغة العربية من حيف هو عزوف الباحثين والأكاديميين في الجامعات العربية عن كتابة أبحاثهم فيها، وهذا له أسباب كثيرة ومدلولات عديدة، قد تحتاج إلى وقفة طويلة وسلسلة من المقالات.

وبين ما يعانيه الباحثون والأكاديميون العرب هو ندرة وسائل النشر الأكاديمية المتوافرة باللغة العربية، هذا من جهة، من جهة أخرى فإن الجامعات العربية قد تعبس أو ربما تتولى عند ذكر منشور أكاديمي عربي.

هذه الواقع ليس مريرا وحسب، بل من الخطورة بمكان لأن عصارة البحث والنشر العلمي الصادر من الجامعات في الأقطار العربية في منحى تصاعدي كبير حيث -حسب اليونيسكو- إن منظمة الثقافة والعلوم التابعة لأمم المتحدة، قفز النشر العلمي 120 في المائة بين 2019 و2022، أي: من 95 ألف بحث علمي منشور إلى 211 ألفا.

أين الخطورة؟ الخطورة تكمن في أن عصارة هذا الجهد الكبير تذهب إلى الدول الصناعية الناطقة أو المتمكنة من الإنجليزية وشركاتها خصوصا دوائر البحث والتطوير فيها، وهذه خسارة لا تقدر ولا تعوض لأن البحث العلمي هو أساس التنمية والتطور في الصناعة والزراعة والصحة والطب والاقتصاد والتكنولوجيا والهندسة والعلوم بشتى أصنافها.

في جعبتي ما يكفي ربما صفحات مجلد عن الجامعات العربية والنشر العلمي الذي تنتجه العقول العاملة فيها، لكن أكتفي بهذا القدر لضيق المساحة.

وهكذا فإن تأكيد القمة الأخيرة في جدة دور اللغة الأم لا يجوز أن يكون شيئا عابرا، بل تجب متابعته وتحويله إلى قرارات وتشريعات صائبة لأن القضية ليست محصورة بتدريس ألف باء العربية أو تأليف بعض الكتب في النحو وغيره. إنها مسألة مصير أمة وهويتها ومستقبلها.

ولهذا تخصص الدول مثل إنجلترا والسويد وألمانيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وروسيا وغيرها ميزانيات كبيرة لتعزيز دور اللغة الأم، ولها مؤسسات عريقة تأخذ على عاتقها هذا الدور ولها تمويل سخي من حكوماتها. وهذا أيضا من الأمور التي يجب التطرق إليها حين بحثنا عن الطرائق التي في إمكان القادة والزعماء والرؤساء والحكومات العربية ولوجها لتعزيز دور اللغة الأم في أوطانهم وحل العقد التي تواجههم في سبيل السمو بها.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد