: آخر تحديث

حزب إيلون ماسك قد لا يكون مجرد مراهقة عبثية

4
3
3

محمد سليمان العنقري

قلل الرئيس ترمب من خطوة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مالك شركات تسلا وستارلينك ومنصة «إكس» وغيرها من الشركات والمعروف بالمثير للجدل دائماً بأفكاره وتوجهاته معتبراً ترمب تأسيس الحزب بالعمل السخيف، وأنه لن ينجح كحال الأحزاب الصغيرة التي ظهرت في عقود سابقة كحزب الخضر والليبرالي، ولم تحدث أي تأثير في المجتمع السياسي الأمريكي حيث استمرت الهيمنة للحزبين الجمهوري والديمقراطي بينما يرى ماسك أن حزب أمريكا الذي أعلن عنه سيعيد الديمقراطية الحقيقية للدولة الأقوى اقتصادياً في العالم ويحد من سياسات مالية ستؤدي إلى إفلاس أمريكا على حسب قوله.

فالخطوة تأتي بعد تحولات مفاجئة في علاقة الرئيس ترمب مع إيلون ماسك فقد هاجم الأخير سياسات الرئيس في ما يخص قانون الضرائب والانفاق، وكذلك الرسوم الجمركية، وأيضا التوجه لعدم دعم برامج التحول نحو السيارات الكهربائية والذي سيضر بمصالح ماسك ويخفض من مبيعات شركة تسلا، وهو ما قد يراه البعض النقطة الأهم في تحول ماسك من داعم لسياسات ترمب لمهاجم لها فجأة دون أي مبرر حيث إنه كان مقربا جداً من الرئيس وأعطاه منصب بإدارة مساندة للحكومة الفيدرالية ولها صلاحيات قوية بهدف تقليص الانفاق غير الضروري، وكان في كل مناسبة يشيد بأعمال ماسك وعبقريته لكن الأخير المعروف بمزاجيته وتقلباته الحادة لم يقدر كل ذلك وأطلق تصريحات موجهة ضد الرئيس وبعدها قدم اعتذاره، لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في إطلاق المفاجآت التي تعبر عن شخصيته التي يراها الكثير مضطربة، لكن هل فعلاً الصورة حول ماسك وحزبه بهذه البساطة في التقييم وأنها مجرد نزوة سياسية وردة فعل مراهق سياسي تذوق طعم السلطة وأصبح يتوق لها ويرغب بأن يكون زعيماً سياسياً وليس فقط الأثرى عالمياً بما يفوق 400 مليار دولار إضافة لأهمية شركاته بالاقتصاد الأمريكي والعالمي.

في السياق الكلاسيكي لتحليل توجه ماسك الجديد لا يمكن اعتبار هذا الحزب الجديد الذي أعلن عنه تحت اسم «حزب أمريكا» وبرغم كل الهالة الإعلامية التي تسلط عليه أكثر من أنه كسابقه من الأحزاب الصغيرة، وذلك بالنظر إلى طبيعة الحياة السياسية الأمريكية فالحزبان المهيمنان هما بالحقيقة مجموعة كبيرة من التيارات الفكرية تندرج تحتهما أي هما مجموعة كبيرة من الأفكار السياسية تحت مظلة كبرى تجمعهم.

لكن ما يمكن النظر لها من زاوية أخرى بخلاف التقدير المنطقي لظاهرة هذا الحزب الذي يتوقع الكثير له السقوط السريع هو أن المجتمع السياسي الأمريكي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية تحديداً على مرحلة الحرب الباردة ومحارية الشيوعية قد اختلفت الظروف التي حكمت توجهاته بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وبروز نظام القطب الأوحد في العالم الذي يواجه تحدياً جديداً بظهور أقطاب قوية فالنظام العالمي الجديد هويته الاقتصاد وقيادته في قطاع التكنولوجيا وشركات التقنية الحديثة هي من ستحدد شكل توجهات سياسة القوى الكبرى مثل أمريكا والصين وأوروبا، الذين يمثلون أكثر من 65 بالمائة من الناتج الاجمالي العالمي، ولذلك فإن الحكم على حزب ماسك الجديد يكون من خلال من سينضم له فكثير من قادة قطاع الأعمال في التقنية والذين يعتبر ماسك أحد أبرز وجوههم لا ينتمون لأي حزب سياسي ويدعمون فقط من يغريهم بمحفزات تخدم شركاتهم، خصوصاً أن هناك مللا ظهر من الطبقة السياسية التقليدية بالشارع الأمريكي وهو ما ساهم بنجاح ترمب بولاية ثانية كونه من خارج تلك الطبقة؛ مما يعني أن روح التجديد قد تذهب لأبعد مما هو متوقع بالمجتمع السياسي الأمريكي لمرحلة ولادة حزب جديد بقوى ومبادئ مختلفة.

لذلك إذا ما انضم لحزب ماسك قادة ومنسوبي شركات التقنية الحديثة مع وضع أفكار تقود حزبهم نحو توسيع قاعدته بين الشباب حيث يميل أغلبهم إما للعمل والتخصص بالتقنية أو استخدامها بكثافة مما يعني بداية تحول سياسي كبير في طبيعة المجتمع الأمريكي فبدلاً من انتظار ما سيقدمه مرشحو الحزبين الحاكمين الحاليين سينظر الجيل الجديد بأنهم من خلال حزبهم يمكن أن يسيطروا على مؤسسات أمريكا ويضعوا هم أفكارهم التي تخدم توجهات التكنولوجيا وتمنع الحد من انطلاق أعمالها من خلال الضوابط الصارمة عليها والتي تسمى بأخلاقيات استخدامات التقنية أو الذكاء الاصطناعي حيث يرونها عائق أمام تطور التكنولوجيا وأبحاثها ونمو عوائدها.

حزب أمريكا لا يمكن الحكم على أنه ولد ميتاً بشكل مبكر فما سيحدد مستقبله بعد أن يتم ترخيصه هو من سينضم له من المجتمع الأمريكي؛ فقطاع التقنية والاقتصاد الرقمي سيهيمن على الناتج الاجمالي العالمي والأمريكي تحديداً، وسيكون لذلك دور بارز في تغيير نهج السياسة الأمريكية وتركيبتها الداخلية، كما كان لشركات النفط والسلاح والأدوية والبنوك التقليدية القوة في البناء السياسي للمجتمع الأمريكي ولربما لا يكون ماسك هو رئيس لهذا الحزب أو لا يظهر الأثر لدوره في الساحة السياسية في سنوات قليلة إنما سينظر له بعد خمسة أو عشرة أعوام إذا استمر واستطاع استقطاب المنتمين لقطاع التقنية بقوة تأثيرهم بالمجتمع الأمريكي، فهل تكون ملامح بداية تأسيس مرحلة سياسية في أمريكا تلغي هيمنة الديمقراطيين والجمهوريين على السلطة خلال عقدين قادمين، سواء بحزب ماسك إذا رخص أو بحزب آخر يحمل نفس المبادئ التي يتبناها إيلون ماسك ومن يؤيده؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد