: آخر تحديث

التفاوض السعودي الإيراني

28
28
33
مواضيع ذات صلة

الحدثُ غير المتوقع عادةً ما يغير المعادلةَ، وعلى هذا النحو أتى الاتفاق السعودي الإيراني، في يوم العاشر من شهر مارس الجاري، من غير أن يتوقعه الكثيرون، لكن المتوقع الآن أنه سوف يغيّر المعادلة التي كانت تحكم العلاقات الثنائية السعودية الإيرانية في منطقة الخليج العربي. الحوار الاستطلاعي بين الجانبين كان يجري من وراء الكواليس في كل من بغداد ومسقط، قبل أن يشهل خاتمته المرجوة في الصين، حيث خرج الجانبان باتفاق غير مسبوق أحدث صدىً سياسياً ودبلوماسياً على المستويين الإقليمي والدولي.
وقد اعتاد زعماء المملكة العربية السعودية أن يقولوا لرؤساء الولايات المتحدة، بدءاً من بوش: «إذا أصررتم على التصرف وفقاً لمصالحكم، حتى حين تتعارض مع مصالحنا، فسنتصرف وفقاً لمصالحنا، حتى حين تتعارض مع مصالحكم».
الطبيعة الدبلوماسية تكره الفراغ، والصدود الأميركي الذي بدأ في عهد الرئيس باراك أوباما مع سياسة «الاستدارة شرقاً» نحو آسيا والمحيط الهادئ، تواصل مع الرئيس الحالي جو بايدن، والذي يبدو أن سياستَه أحدثت فراغاً سياسياً وأمنياً ملأته الشكوك وفقدان عنصري الود والثقة في العلاقات، وذلك مقارنةً بما كانت عليه هذه العلاقات في العهود السابقة. ومن نتائج وجود هذا الفراغ، اقتراب الصين عبر تقوية علاقاتها مع كل من السعودية والإمارات، حيث ردّت السعودية باستدارة أخرى عبر توقيع اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

لقد انتهى ماراثون التفاوض بين البلدين إلى توقيع اتفاق سيعيد العلاقات الدبلوماسية بما يضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة واحترام سيادتها الوطنية، مع ما تشكله السعودية وإيران كركيزتين أساسيتين للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وكدعامتين للاستقرار في المنطقة.
هناك ملفات شائكة تنظر إليها المجموعات العقلانية في طهران بعناية كبيرة الآن، وهي تقيّم محصلةَ أربعة عقود من السياسة الخارجية ومن المواقف السياسية والإعلامية حيال دول المنطقة، وما حققته إيران داخلياً في مختلف مجالات التنمية خلال الفترة ذاتها. 

في ماراثون التفاوض القادم هناك تحديات جمة ستواجه المتفاوضين المدفوعين بالرغبة في تسوية النزاعات الإقليمية، وسيتصدر ذلك الاختبارُ الأولُ والأكثرُ أهميةً للاتفاق ألا وهو موضوع «الأزمة اليمنية»، إذ هناك تطلعٌ إقليمي ودولي قوي لتسوية هذه الأزمة. وبالطبع سوف يسبق ذلك تعهد بوقف تزويد الحوثيين بالسلاح، وتنفيذ مطالب السعودية فيما يتعلق بضمان تدفق النفط عبر الخليج العربي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة بما فيها السعودي وإيران نفسيهما.
وسوف ينعكس التقارب السعودي الإيراني لصالح تسوية ملفات إقليمية أخرى، مثل الصراع في سوريا، والمسألة اللبنانية.. إلخ. وبالتأكيد فإن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين من شأنها أن تساعد على تهدئة التوترات الإقليمية.

الدبلوماسية تحصيل مكاسب بلا تكاليف، وهو ما حققته المملكةُ العربية السعودية التي كانت حكيمةً وصابرةً على استفزازات بعض الأذرع الإقليمية.. وها نحن نتطلع بآمال عراض إلى أن يكون هذا الاتفاق فاتحةَ خير وسلام، بما سيثمره من أمن واستقرار في ربوع المنطقة ككل، وخصوصاً في الخليج العربي وعلى ضفته الأخرى في إيران.
*سفير سابق


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد