: آخر تحديث

تونس والعزوف عن المشاركة الانتخابية

49
50
56
مواضيع ذات صلة

عزوف الشعب التونسي عن المشاركة السياسية، كما أظهرته النسبة المتدنية للمشاركة في جولة الانتخابات الأولى للبرلمان الجديد التي جرت في 17 من ديسمبر/كانون الأول الفائت والتي لم تتجاوز 11% فقط يمكن أن تتكرر مرة أخرى في جولة الإعادة المقررة بعد غد الأحد، عندها ستكون نسبة المشاركة الشعبية في هذه الجولة التي بنتائجها ستُكتمل عضوية مجلس نواب الشعب (البرلمان) شديدة الأهمية لحسم الأسباب الحقيقية لهذا العزوف، وهل هي كما تروّج المعارضة بفصائلها المختلفة وعلى رأسها جبهة الخلاص الوطني التي يسيطر عليها «إخوان» تونس (حركة النهضة) تصويت شعبي لإسقاط شرعية نظام الرئيس قيس سعيّد، أم هي بسبب تغيير القانون الانتخابي، وأنها جرت وفقاً لنظام «التصويت الفردي» وليس التصويت لقوائم حزبية؛ الأمر الذي ترتب عليه غياب دور «المال السياسي» الذي كان يشعل المنافسة الانتخابية، ولمحدودية قدرة المرشحين الفرديين على تنظيم منافسات انتخابية، والإنفاق عليها بسخاء، كما كان يحدث في الانتخابات السابقة التي كانت تخوضها القوائم الانتخابية الحزبية، فضلاً عن أن معظم المرشحين الفرديين الذين خاضوا الانتخابات لا يتمتعون بشهرة سياسية في ظل مقاطعة الأحزاب السياسية، ورفضها التقدم بمرشحين فرديين تابعين لها.

السؤال مهم لسببين: الأول أن الإجابة عنه يمكن أن تمكننا من التنبؤ بنسبة المشاركة الشعبية في جولة الإعادة. فإذا كان السبب الحقيقي هو أن الشعب لم يعد يثق بالنظام الحاكم، فإن العزوف الشعبي سيستمر. أما إذا كان السبب هو نظام الانتخابات الجديد فمن المحتمل أن يكون النظام قد أخذ في اعتباره تحسين الأداء الإداري، ودعم المنافسات بين المرشحين، وتحفيز الإعلام؛ الأمر الذي يمكن أن يشجع الناخبين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

أما السبب الثاني فإن الإجابة عن هذا السؤال ستقدم لنا مؤشرات للفرص المتاحة أمام المشروع السياسي للرئيس سعيّد.

الأمر اللافت في هذا الخصوص هو أن النظام لم يبد اكتراثاً لا بنسبة المشاركة المتدنية في جولة الانتخابات البرلمانية الأولى، ولا بمحتوى الخطاب السياسي للمعارضة الذي يركّز على دعوة «إسقاط النظام»، بدليل ما ورد على لسان الرئيس قيس سعيّد نفسه في خطاب سياسي نقله التلفزيون الحكومي (28 12 2022) كان قد ركّز فيه على تأكيد أن «تونس ليست غنمية»، وهدد بمن أسماهم ب«المتطاولين على الدولة ورموزها»، مؤكداً أن «السيادة خط أحمر»، وأن هؤلاء «سيحاسبون بالقانون». وفي هذا الخطاب قلّل الرئيس من أهمية ما اعتبرته المعارضة «مقاطعة شعبية». وقال إن «مشاركة 9% أو 12% أفضل من 99% التي كانوا يشاركون فيها، وكانت تتهاطل برقيات التهاني من الخارج، وتعلم تلك العواصم أن تلك الانتخابات مزوّرة»، وزاد على ذلك بالقول: «نحن بحاجة إلى برقيات التهاني من الشعب التونسي».

عدم الاكتراث هذا بنسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات تحمل مؤشرات بأن النظام لم يقم بالجهود المطلوبة لتحسين هذه النسبة في جولة الإعادة، وتأكد عدم الاكتراث بالقيود التي فرضتها هيئة الانتخابات على عمليات الدعاية الانتخابية للمرشحين الذين يخوضون جولة الإعادة، وهي القيود التي جعلت تلك الدعايات الانتخابية توصف على ألسنة مراقبين محايدين بأنها «باهتة» و«خالية من الحماس والتنافس الانتخابي التقليدي الذي اعتادته الانتخابات التونسية السابقة».

هذه المواقف والممارسات من النظام التي تُظهر درجة ما من درجات عدم اكتراث النظام بنسبة المشاركة الشعبية، تفرض سؤالاً مهماً هو: ما الذي يخطط له الرئيس التونسي في المستقبل؟

الأسئلة كثيرة بهذا الخصوص: هل سيواصل المضي في مشروعه السياسي الذي سيكتمل بعد إقرار الدستور الجديد الذي أعطى للرئيس سلطات واسعة، مقابل تقليص سلطات البرلمان، وخاصة في ما يتعلق بدوره الرقابي للسلطة التنفيذية، وأنه لن يكترث بالمعارضة، أم إنه سيضطر إلى بدء مرحلة جديدة من الحوار الوطني، وتحسين الأوضاع السياسية، والأخذ بمطالب حتمية إجراء إصلاحات سياسية، وهي بالمناسبة مطالب ليست محصورة في المعارضة التونسية؛ بل هناك من يتحمس لها في الخارج، استناداً إلى النسبة المتدنّية للمشاركة الشعبية في جولة الانتخابات الأولى، خاصة من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أم إن الرئيس سيختار سياسة الصدام مع المعارضة بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على الاستقرار السياسي، خاصة أن مطالب الإصلاح السياسي تقترن بسوء الأحوال المعيشية، وتهديد الاتحاد التونسي للشغل بتنظيم «إضراب عام» يشلّ البلاد في الأسابيع المقبلة، وخوض ما أسماه «معركة إنقاذ البلاد».

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.