بشرى بلحاج حميدة السجون التونسية تُخّرج إرهابيين والحلول الأمنية لا تكفي لمعالجة ملف العائدين
حسن سلمان
قالت النائبة والحقوقية التونسية بشرى بلحاج حميدة إن الحلول الأمنية لا تكفي لمعالجة ملف العائدين من بؤر التوتر، مشيرة إلى ضرورة مناقشة كيفية تصدر البلاد لقائمة البلدان المصدرة للإرهاب رغم أن المجتمع التونسي منفتح ومتسامح وبعيد كليا عن العنف، كما أكدت أنه لا يمكن إحالة ملفهم المقاتلين العائدين على قانون العدالة الانتقالية، على اعتبار أن الأخير يبحث عادة في جرائم تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان «بينما نحن نتحدث عن جرائم يمكن تصنيفها كجرائم ضد الإنسانية».
كما دعت إلى النظر في الإجراءات العقابية المعتمدة في تونس واعتماد العقوبات البديلة عن السجن بالنسبة للقضايا البسيطة وتلك المتعلقة بمستهلكي المخدرات، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً من الموقوفين دخلوا السجن في قضايا حق عام وخرجوا منه كإرهابيين، كما قارنت بين المبلغين عن الفساد وضحايا التحرش الجنسي، مشيرة إلى ضرورة تأمين حماية قانونية للمبلّغين عن هذه الجرائم كي لا يتعرضوا للتنكيل أو التشفي من قبل الجناة.
وأضافت في حوار خاص مع «القدس العربي»: «أعتقد أن ليس لدينا أي خيار في ما يتعلق بملف العائدين من بؤر التوتر سوى التعامل مع أمر بات واقعا، فهؤلاء الإرهابيون هم أبناء تونسيون عاشوا وكبروا في تونس وعلى المجتمع التونسي أن يتساءل لماذا باتت بلادنا اليوم في مقدمة المصدرين للإرهاب، بمعنى أن الحلول الأمنية لا تكفي لمعالجة هذا الملف وإنما يجب البحث في كيفية الوقاية من تكرار هذا الأمر وخاصة في ما يتعلق بالأجيال القادمة، إذا المسألة لا تتعلق بالعودة فهم سيعودون بجميع الأحوال، ولكن الأهمية تكمن في مدى جاهزية الدولة (على صعيد الإمكانيات خاصة) لتأمين المجتمع التونسي من خطر هؤلاء الإرهابيين».
وفي ما يتعلق باقتراح محاكمة «الإرهابيين» التونسيين في الدول التي ارتكبوا فيها جرائمهم، قالت بلحاج حميدة: «هذا الأمر يعود للدول الموجودون على أراضيها، فمن حقها أن تختار محاكمتهم أو أن تعيدهم إلى بلادهم، لكن عودوة هؤلاء لن تكون من خلال الدول أو الحكومات، ولكن بشكل إرادي وفردي أي أنهم سيتسللون إلى تونس، وعموما نشكر وزير الداخلية على إعطاء أرقام حول عدد الإرهابيين العائدين (800 شخص حتى الآن)».
وفي ما يتعلق باقتراح البعض إحالة ملف العائدين على قانون العدالة الانتقالية، قالت: «بالطبع لا يمكن ذلك بأي حال، فالعدالة الانتقالية تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان وليس بجرائم بهذه البشاعة ترتكب ريادة دولة، فالإرهابيون باتوا يشكلون دولة، أي أن العدالة الانتقالية تبحث في انتهاكات حقوق الإنسان وتتضمن مصالحة أيضا، بينما نحن نتحدث عن جرائم يمكن تصنيفها كجرائم ضد الإنسانية، ونحن عملنا قانون يتعلق بالإرهاب ولا بد أن نطبقه، إذا لا يمكن أن نضع قانون ومن ثم نتركه جانبا ونخلق آليات جديدة».
وكان رئيس حركة «وفاء» عبد الرؤوف العيّادي أكد قبل أيام لـ«القدس العربي» أن إثارة ملف عودة المقاتلين من بؤر التوتر يهدف إلى «إلهاء الرأي العام وتشتيت انتباهه عن قضية اغتيال الشهيد محمد الزواري والفشل الحكومي على جميع الأصعدة وتنامي الحركة الاحتجاجية في البلاد».
وعلقت بلحاج حميدة على تصريحات العيادي بقولها: «أولا، ليس من مصلحة الحكومة أصلا إثارة موضوع العائدين والخوض في هذا النقاش الذي يثير جدلا في المجتمع التونسي، ولكن من واجب الدولة أن تضمن أمن التونسيين وأن تعطي معلومات (حول العائدين) وقد قامت بجزء من هذا، والحكومة عندها استراتيجية ولديها معالجة أمنية لمف العائدين ولكن اليوم معالجة الإرهاب هي مسؤولية كامل المجتمع لأن من حقنا أن نتساءل كيف توصل المجتمع التونسي المعروف باللاعنف (إلى إنتاج هؤلاء المتطرفين)، فالتونسيون أخرجوا الاستعمار بالدبلوماسية ولم يمارسوا الحرب ضده إلا بنسبة قليلة، لكن هناك مسألة الدولة لم تمكن التونسيين منها وتتعلق بالأطرف التي تموّل الإرهابيين داخل الوطن وتمكنهم من السفر إلى الخارج ولا بد أن يتم كشف الحقيقة في هذا المجال، وفي ما يتعلق بمحمد الزواري هناك تحقيق من قبل الحكومة حول حادثة اغتياله ولا بد أن نعرف الحقيقة ومن حق التونسيين أن يعرفوا كل الحقائق حول الاغتيالات السياسية ولا أتصور أن الحكومة ستخفي على الأقل الجانب الأكبر من حقيقة اغتيال الزواري».
ويثير مشروع قانون مكافحة المخدرات الذي يناقشه البرلمان حاليا جدلا كبيرا، حيث يرى البعض أنه يخفف العقوبات ضد المستهلكين ويشددها ضد المروجين والمنتجين.
وقالت بلحاج حميدة «المخدرات ظاهرة معقدة لأن هناك عدة أنواع تتعلك بالاستهلاك فهناك مستهلك وهناك مدمن تجب معالجته، والظاهرة موجودة في عدة بلدان، ولكن الفرق بيننا وبين البلدان الأخرى هو أنه لدينا (وبفضل الثورة) شفافية أكبر حول الأرقام (عدد المستهلكين والمروجين)، ومشروع القانون الحالي في حد ذاته هو مبادرة مهمة لأنه (على سبيل المثال) لا يمكن مواصلة الحكم على شاب لمدة عام بمجرد أنه استهلك المخدرات لمرة واحد فقط، لكن رغم هذا فالقانون يتطلب العديد من التعديلات ولا بد من نظرة شاملة».
وأضافت: «لدينا قانون سابق، بالإضاف إلى أنه في منتهى الشدة، فهو لم يوفر أي إمكانية للمعالجة، أي أنه قنن إمكانية الإعفاء من العقوبة في صورة أن الشخص توجه نحو إحدى مراكز العلاج لكنه بالمقابل لم يوفر هذه المراكز، لذلك فالقانون لا بد أن يكون أكثر مرونة وأيضا لا بد من توفير مراكز متابعة ومعالجة للمدمنين لأن العالم أجمع اليوم (ومنظمة الصحة خصوصا) يعتبر أن الإدمان مرض، والدولة مطالبة بتوفير وسائل وشروط المعالجة».
ودعت، في السياق، إلى اعتماد العقوبات البديلة عن السجن في بعض القضايا، مضيفة: «العقوبات البديلة: أنا دائما أعتبر أن السجن هو الحل الأخير، لأنه بغض النظر عن إيماني بالحرية، فالتجارب في تونس والعالم عموما تؤكد أن السجن ليس مؤسسة إصلاحية، فهي لا تصلح بل بالعكس غالبا ما تعكر وضع المجرم الصغير وتحوله لمجرم كبير، ورأينا أن العديد من الإرهابيين دخلوا السجن في قضايا حق عام، وخرجوا من السجن إرهابيون، بسبب وجود إرهابيين في السجون التونسية، وعلى سبيل المثال ثمة مغني راب كان في السجن في قضية مخدرات وخرج منه إرهابيا وتحوّل لاحقا إلى سوريا، وهذا ينطبق على نسبة كبيرة من السجناء في تونس».
وتابعت بلحاج حميدة: «في حين أن مفهوم او فلسفة العقوبة هو إصلاح الإنسان، المجتمع يرغب في إصلاح الإنسان الذي يرتكب جريمة واسترجاعه، ومن صالحنا تطبيق العقوبات البديلة لأن هناك نقصاً في اليد العاملة في تونس كما أن هناك زيادة مشاكل في البيئة والمحكومون بعقوبات يمكن أن يساعدوا في هذا الأمر، كما أن هناك العقوبات المالية، يعني عوضا أن تنفق الدولة على سجين كي يتحول إلى مجرم أكبر، فهي تربح أموالا منه، وهذا يمكن أن يتم حتى بدون تغيير قوانين في البداية إذ يمكن للقضاة التونسيين أن يستعملوا الآليات الموجودة بانتظار تغيير القوانين لاحقا».
وحول مشروع القانون المتعلق بحماية المبلغين عن الفساد، قالت بلحاج حميدة: «في العديد من الحالات، الموظف في القطاع العام والخاص لا يقوم بالإبلاغ عن الفساد خوفا من أن يفقد عمله أو أن يتخذ الفاسد (في حال ان رئيسه) نحوه بعض العقوبات التأديبية بهدف التشفّي منه، وهذا يمنعه من الإبلاغ عن الفساد، ويمكن مقارنة هذا الأمر بالتحرش الجنسي فالمرأة عادة لا تشتكي من التحرش الجنسي خشية أن تفقد عملها أو تتهم بأمور أخرى، فهذا القانون (حماية المبلغين عن الفساد) يأتي في إطار توجه دولي، فإذا أردنا مكافحة الفساد لا بد أن توجد هناك ضمانات للمبلغ عن الفساد وللشهود ولعائلاتهم أيضا، حتى لا يترددوا بالإبلاغ عن حالات فساد خوفا من التشفّي كما أسلفت».
وفي ما يتعلق بخياراتها السياسية أو البرلمانية بعد مغادرتها كتلة «الحرة»، قالت بلحاج حميدة: «منذ غادرت حزب «نداء تونس» التحقت فقط بكتلة «الحرة» لتسيير العمل وليس من السهل بعد مغادرة «النداء» الالتحاق بأي حزب آخر، كما أن الرجوع إلى «النداء» أو الالتحاق بحزب آخر ما زال غير مطروح، ومن الصعب أيضا الالتحاق بكتلة برلمانية جديدة، فالالتحاق بكتلة الحرة كان في فترة لم تكن فيها الكتلة مرتبطة بأي حزب، فأغلب الكتل داخل البرلمان مرتبطة بأحزاب ولا يمكن لأي نائب مستقل أن يعمل بأريحية داخل كتلة حزبية، وكتلة الحرة كانت في البداية أقل ارتباطا بالحزب (كما ذكرت) ولم يكن هذا يؤثر على العمل داخل الكتلة، وعموما من حقهم أن يدعّموا العلاقة بين الحزب والكتلة، لكن بالنسبة لي كمستقلة هذا يؤثر على مردودي في الكتلة والبرلمان».