بن كيران يرفض الابتزاز ويضع المغرب على صفيح ساخن في انتظار تدخل الملك
محمود معروف
وضع رئيس الحكومة المغربية المكلف، خصومه في الزاوية، منتظراً أصحاب القرار المعنيين، للمبادرة في حل ازمة تشكيل الحكومة، بعد ان ذهب هؤلاء بعيدا في محاولة «اذلاله» غير مدركين لعقلية عبد الاله بن كيران وشخصيته واستعداداه لترك الجمل بما حمل، اذا شعر بأن «اهانته» و»اضعافه» هي الهدف الرئيسي من العقبات التي وضعت في طريقه منذ فوز حزبه بتشريعيات 7 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي وتكليف الملك له بتشكيل الحكومة.
واعتقدت الأوساط السياسية المتفائلة ان «بلوكاج» تشكيل الحكومة قد انفرج، بتلبية عبد الاله بن كيران مطلب خصومه الذين يعبّر عنهم عزيز اخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، الذي يقدم كصديق الملك، باستبعاد حزب الاستقلال، اعرق الاحزاب المغربية، من تشكيلة حكومته، وتلبية بن كيران لمطلب اخنوش، جاءت بعد تصريحات لزعيم الاستقلاليين، حميد شباط، حول موريتانيا، والذي تم تصريفه بشكل مبالغ فيه.
واطلق بن كيران بداية الاسبوع الماضي جولة مشاورات مع زعماء أحزاب اغلبيته الجديدة وهي اغلبيته السابقة، التجمع الوطني للاحرار والحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، وابلغهم رؤيته، وكان مقرراً تلقيه الاجابة خلال يومين، كما صرحوا هم بذلك، لكن بعد سلسلة تصريحات وتسريبات، تتحدث عن اشتراط التجمع والحركة اشراك حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري، ورفضهم الرد على بن كيران الا بعد لقاء الأحزاب الأربعة، وهو لقاء عقد مساء يوم الاحد ليصدر بيانا مضمونه «نحن من يشكل الحكومة وليس بن كيران» فرد بن كيران سريعا «لا اريدكم ولن اتشاور معكم وسأشكل حكومتي»، ليضع المغرب كله على صفيح ساخن، وخصومه في مأزق كانوا يريدون وضعه فيه.
وأصدر الأمناء العامون للأحزاب الأربعة: التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الإتحاد الإشتراكي، الإتحاد الدستوري، بلاغا مشتركا، شددوا فيه على ضرورة مشاركتهم في الحكومة، دون استثناء أي طرف سياسي، من الرباعي وذلك، في اطار «سعيهم لتشكيل حكومة بأغلبية قوية ومنسجمة، على برنامج واضح» كما دعا إلى ذلك، الملك محمد السادس في خطابه في داكار يوم 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وجددوا دعوتهم لبن كيران، من أجل فتح باب المشاورات معه لتشكيل «حكومة وفق إطار مريح، يضمن السير العادي لمؤسسات الدولة».
وقرأ البلاغ واشارته لخطاب الملك بأنه «استقواء بالمؤسسة الملكية» وضد بن كيران وحزبه «العدالة والتنمية» اللذين يصران على استبعاد الإتحادين، الدستوري والاشتراكي فسارع بن كيران للرد رفض في بيان اعلن فيه توقف المفاوضات مع اثنين من تلك الأحزاب الأربعة، هما حزب «التجمع الوطني للأحرار» وحزب «الحركة الشعبية» وقال إنه «وجّه سؤالاً لعزيز أخنوش، رئيس حزب «التجمع الوطني للأحرار» الأربعاء الماضي، «حول رغبته من عدمها في المشاركة في الحكومة (…)، وهو سؤال وعدني بالإجابة عنه بعد يومين ولم يفعل».
وأضاف أن أخنوش «فضّل أن يجيبني عبر بلاغ خطه مع أحزاب أخرى منها حزبان لم أطرح عليهما أي سؤال. وأستخلص أنه في وضع لا يملك معه أن يجيبني وهو ما لا يمكن للمفاوضات أن تستمر معه حول تشكيل الحكومة». وتابع بن كيران: «وبهذا يكون معه قد انتهى الكلام، ونفس الشيء يقال عن السيد امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية».
البلاغ كان الحدث السياسي الابرز خلال السنوات الماضية، واذا كان «البلوكاج» وشكله واخراجه كشف عن مستوى العمل السياسي المغربي، فإن بلاغ بن كيران أعاد طرح الاسئلة على النخبة السياسية والحزبية المغربية.
نعم للشراكة لا للابتزاز
وقال محمد يتيم القيادي في حزب العدالة والتنمية إن ما يفهمه من بلاغ بن كيران صرخة «باراكا، باسطا» و»رفض الإذلال وإهانة المواطنين الذين ذهبوا إلى مراكز التصويت يوم 7 أكتوبر» وان البلاغ قال «التوافق نعم، الشراكة نعم، تقديم المصلحة الوطنية نعم، الابتزاز وقلب المنطق الديمقراطي وفرض إرادة أحزاب بالكاد كونت فريقا في مجلس النواب لا، لا وذلك بعد ان انحرف مسلسل التشاور عن منهجيته، وتحول إلى محاولة ابتزاز وإذلال».
وقال الخبير السوسيولوجي محمد الناجي، إن التطورات الاخيرة في مشاورات تشكيل الحكومة، تؤكد ان إرسال الملك لبن كيران قبل اسبوعين مبعوثين لا ينتميان إلى محيط الملك لم يكن يشير إلى أمر جيّد، بل كان مجرد تحرك كي لا تبقى المؤسسة الملكية خارج الفعل. لكن القصر منخرط بشكل آخر في المفاوضات الجارية عن طريق عزيز أخنوش، المبعوث الحقيقي. إرسال المستشارين الملكيين كان يهدف في الحقيقة إلى إظهار أن الملك يوجد فوق الاحزاب.
وأوضح أن جزءاً من الاعلام الرسمي وشبه الرسمي، يحاول إظهار ما يجري كما لو أنه مجرد نزوات سياسيين لا يريدون تحقيق أي تقدم، وليس كصراع بين الإرادة الشعبية، التي يمثلها الاسلاميون في السياق الحالي، وبين سلطة لا تريد التنازل عن صلاحياتها. ما يحصل الآن لا يحمل أي فأل خير للمستقبل، ويعني أن احتكاكاً عنيفاً مباشراً وحده يمكنه دفع الامور نحو التقدم او كشف الطبيعة الحقيقية للسلطة التي لا تريد تقديم هدايا ديمقراطية للشعب.
ودخل أن زعماء الأحزاب الـ 4 الذين يشكلون جبهة بقيادة اخنوش ضد بن كيران منذ ليلة اول أمس،في نقاش حول الطريقة التي سيردون بها على بن كيران ويتوقع اصدراهم بلاغا امس الاثنين الا انه لم يعرف ان كان بلاغا رباعيا ام ثنائيا يقتصر على التجمع والحركة الشعبية التي قال امينها العام محند العنصر إن حزبه ما زال على استعداد لمواصلة المفاوضات مع رئيس الحكومة.
وأكد «نحن مستعدون لاتمام المشاورات مع رئيس الحكومة، ولكن إذا اتخذ قراره بوقف المفاوضات معنا فيمكن فعل ذلك لأنه هو رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة، ولكن إذا دعانا مرة أخرى فنحن مستعدون للتفاوض مجددا».
وأوضح أن البلاغ الذي أصدرته أحزاب الأحرار والحركة والاتحادان الدستوري والاشتراكي عشية الأحد، جاء بناءً على المشاورات السابقة التي كانت تجمع هذه الأحزاب، غير أن المشاورات مع رئيس الحكومة هي مشاورات مع كل حزب على حِدة، مشددا على أن حزبه مستعد للتفاوض إذا نادى عليه رئيس الحكومة مجددا.
حزب الاستقلال يهاجم دكاكين السياسة
وعاد حزب الاستقلال الى الواجهة الاعلامية بقوة، ملوحا بانه لم يكن سبب البلوكاج وان الإصرار على ابعاده من الحكومة كان ورقة ضمن اوراق اخرى يستخدمها «اللاديمقراطيون» للالتفاف والانقلاب على الخيار الديمقراطي وإرادة الشعب المغربي.
وأكد الحزب أنه لا ينظر إلى المشاركة في الحكومة كمشاركة في اقتسام قطع الكعكة، و»أنه حينما أعلن مشاركته في الحكومة، فإنه أعلن مساندته للخيار الديمقراطي الذي قرره الناخب في صناديق الاقتراع، بمعنى أن قرار المشاركة كان قراراً سياسياً صرفاً، وليس مجرد قرار تكتيكي يندرج في حسابات سياسية مرتبطة باللحظة».
وقال مقال رسمي على موقع الحزب، أن قرار الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوطني الأخير، الذي أعلن انتماء الحزب إلى الأغلبية النيابية، بغض النظر عن المستجدات السياسية المقبلة، قرار لا يتخذه إلا حزب في حجم حزب الاستقلال، بيد أن آخرين راحوا يبحثون عن مواقع، يحتمون فيها من قلق وغموض اللحظة السياسية، وكان بإمكان الحزب البحث عن مخارج أخرى ليس أقلها ربط الانتماء للأغلبية بتحقيق ما يفهمه الآخر كمنفعة ويتعامل معها على هذا الأساس».
واكد حزب الاستقلال أن «المشاركة في الحكومة من عدمها لا تصبح أولوية في هذا السياق، مشيراً إلى أن هذه التطورات حولت في كثير من المرات مسار المشاورات إلى فرجة تضحك البعض وتسلي البعض الآخر، وتؤلم بعضا ثالثا، يتابعها بعين راصدة للوقائع وبقراءة عميقة للخلفيات».
وذكّر الحزب بمواقفه الأخيرة، التي تحمل مسؤوليته في اتخاذها، واعلانه دعمه لحكومة بن كيران حتى دون ان يشارك بها أنها كانت مواقف مشروطة ليس بمفهوم الابتزاز الذي تركناه لآخرين يتعاملون مع السياسة بمنطق الربح والخسارة، ولكن بمفهوم المسؤولية التاريخية. مواقف سياسية ربطت بتحالف مع القوى السياسية الوطنية، وحينما يتحول الأمر إلى عجينة أطفال من خلائط هجينة، فإن قيادة الحزب قد تكون مطالبة بالعودة إلى المؤسسة التي اتخذت تلك القرارات لمناقشة التطورات وترتيب النتائج عن ذلك.
وهاجم حزب الاستقلال «دكاكين سياسية، تعتقد أن المواقف الأخيرة وضعت حزب الاستقلال على الهامش، وأنها قلصت مساحات اشتغاله، أو أنها ضيقت عليه فضاءات التحرك، فحزب الاستقلال ما زال معنيا بما يحدث، وله رأي في ما يحدث ومتمسك بإسناد الشرعية الانتخابية الديمقراطية.
واذا كانت أوساط حزب العدالة والتنمية ومعها الاوساط الديمقراطية ترى في بلاغ عبد الاله بن كيران «ليس إعلانا للفشل بقدر ما هو إرادة لتصحيح الاختلالات الدستورية والسياسية التي صاحبت بعض سلوكات الأحزاب، إذ يعتبر بمثابة رد على المناورات التي تم افتعالها للضغط عليه من قبل الأحزاب الأربعة، ومقاومة لهذه الضغوط ووضع الجهات التي تخاطر بمستقبل البلاد أمام مسؤولياتها السياسية والتاريخية.
الخيارات المتاحة
ان السؤال الذي لا يملك اجابته سوى بن كيران هو وماذا بعد، دستوريا، الخيارات محدودة، اما ان يعيد بن كيران مشاوراته، وهذه المرة من موقع القوة، بعد الامتعاض من «محاولات الابتزاز» التي مارسها عزيز اخنوش، او التخلي عنه وعن حلفائه، مع ادراكه ان مشاركة اخنوش الشخص والحزب ضرورة سياسية بالنسبة للمراجع العليا، والذهاب الى تشكيل حكومة اقلية، او اعلان اعتذاره عن المهمة او كمان يقول اعادة المفاتيح للملك وفي هذه الحالة، دستوريا، اما ان يدعو الملك الى انتخابات جديدة، وهو خيار مكلف ماليا ولوجيستيكيا وسياسيا في ظل تقديرات ان حزب العدالة والتنمية سيحقق تقدما كبيرا ويتجاوز بكثير ال125 مقعدا التي حصل عليها في التشريعيات السابقة ا وان يختار الملك شخصية اخرى من حزب العدالة والتنمية وهو اختيار لا زال الحزب بكل مؤسساته واشخاصه يرفضه.
وتتداول اوساط الأحزاب الـ4 المناهضة لبن كيران الخيار الأخير وتطرح اسم مصطفى الرميد وزير العدل والحريات وهو ما اعلن الرميد مسبقا رفضه.
وقال مصطفى الرميد، وهو عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية «إن عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة المكلف أعلن موقفه الواضح من المشاورات الحكومية، وعلى الأطراف المعنية اذا ما كانت ترغب في الاستمرار في المشاورات الحكومية أن تراجع موقفها».
لا بديل عن بن كيران
وأكد الرميد ان سيناريو تعيين شخص آخر من العدالة والتنمية لقيادة المشاورات الحكومية عوضا عن بن كيران «غير مطروح، ومن يروج له، يريد فقط خلق التشويش والبلبلة، فبن كيران هو رئيس الحكومة المكلف، بصفته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وأنا عضو في الأمانة العام للحزب، وكل المواقف التي يتخذها بن كيران تكون بموافقة من الأمانة العامة، وأنا اطلعت على بيانه الأخير قبل إصداره ووافقت عليه، – وإذا صح التشبيه -، فأنا لن أكون بنعرفة العدالة والتنمية» في اشارة الى شخصية اختارها الاستعمار الفرنسي 1953 ليكون بديلا عن محمد الخامس الملك الشرعي للمغرب بعد نفيه لرفضه التعاون مع الاستعمار ضد الحركة الوطنية المغربية.
واطلق عدد من رواد موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، منذ مساء الأحد، هاشتاغين الأول سمي «#كلنا_بن كيران»، والثاني أطلق عليه اسم «#انتهى_الكلام». فيما اختار عدد من المعلقين، عبارة «برافو بن كيران» تفاعلاً مع بلاغه، تجاه مشاورات تشكيل الحكومة.
واراد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بالهاشتاغين التعبير عن دعمهم لعبد الإله بن كيران، حيث انتشر الهاشتاغان الرافضان السلوك السياسي، الذي نهجه كل من أخنوش، والعنصر في مسار المفاوضات السياسية لتشكيل حكومة بن كيران، بسرعة بين الفيسبوكيين، الذين اعتبروا أن رئيس الحكومة المعين، «لم يفشل في تشكيل الحكومة، بل إنه نجح في مهمته في كل الأحوال».
واعتبروا أن بلاغ بن كيران تضمن «مواقف للتاريخ»، ورفع «انتهى الكلام» في وجه أخنوش، والعنصر لتصحيح مسار المفاوضات، وليس إنهائها بالكامل.
وأجمعت جل التعليقات، على رفض الطريقة التي يواجه بها بن كيران، والشروط المفروضة من طرف أخنوش، خاصة تمسكه بادخال الاتحاد الدستوري، والاتحاد الاشتراكي للحكومة، دون عرض الأمر عليهما من طرف رئيسها المعيّن.