توجهت إلى مصر مع زوجها وابنها في 24 من سبتمبر/ أيلول 2023، على أن تكون هذه الزيارة لمدة أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر، تهيئ فيها أوضاع ابنها ليدرس في إحدى الجامعات المصرية، وتحجز لابنها الآخر عملية جراحية في العين لتغيير قرنيته أخيراً، بعدما ساءت حالته بسبب الحصار على غزة وصعوبة السفر. وضمن خطتها أن تسافر من مصر إلى السعودية بعد أن تصل إليها تصاريح السفر من أحد مكاتب غزة لأداء العمرة ثم العودة إلى باقي أولادها السبعة في محل سكنهم في غزة.
هذه باختصار حكاية السيدة شيرين جعرور، التي لم تتوقع أن تذهب كل مخططاتها في مهب الريح بين ليلة وضحاها مع اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، أي بعد حوالي أسبوعين من وصولها القاهرة التي لم تستطع مغادرتها والعودة إلى غزة لتتبدل حياتها كلياً.
خسرت 100 من عائلتها من ضمنهم أطفالها
منذ بدء الحرب في غزة تتواصل شيرين يوميا في الصباح مع ابنائها تطمئن أنهم لايزالون على قيد الحياة، ومع صعوبة الاتصالات كان قلقها يزداد لكنها تبقى تحاول حتى تعود الاتصالات وتستطيع الوصول إليهم. تعرض بيتهم في حي الشجاعية للقصف فنزحوا إلى وسط غزة حيث منزل عائلة والدتهم الذي جمع غالبية العائلة إضافة إلى نازحين آخرين.
وتوضح شيرين: "في يوم الثاني من ديسمبر/ كانون أول حاولت الاتصال بأولادي كالعادة، ولم يكن هناك أي تواصل، وتوقعت أن تكون مشكلة في الاتصالات حتى شاهدت في الأخبار مقطع مصور لفتاة أخرجوها من تحت الركام وهي تصيح لإخراج باقي إخوتها وأهلها، ووجدت أنها ألمى ابنة أخي غانم، فعرفت أن الدار تم استهدافها وقصفها".
وتستطرد شيرين: "لم تكن هناك أي معلومات سوى أن كل من في الدار قتلوا وكان فيها أخي أبو مصعب وعائلته المكونة من 9 أشخاص، وأختي وأولادها وأسرتها المكونة من 6 أشخاص، وأخي أبو غانم وأولاده، وجدي، وجدتي، وخالتي وابنها، وعمتي وابنها وأحفادها، وخالي وأبنائه، وخالي الثاني وأولاده، وأولادي السبعة الذين نزحوا إليهم وهم أربعة أولاد وثلاث بنات تتراوح أعمارهم بين أربع سنين و20 سنة، ماتوا جميعاً في هذا القصف الذي لم نبلغ بأي تحذير قبله".
وتؤكد شيرين أنه لم تصلها أي صور لأبنائها بعد القصف لكنها فقدتهم جميعاً، ولم يتبق لها في غزة سوى ألمى ابنة أخيها التي تحاول التواصل معها قدر المستطاع، لافتة إلى أن الفتاة تمكث مع أشخاص تعاطفوا معها، وانتقلوا بها إلى الجنوب في رفح في محاولة لابقائها آمنة، مشددة على أن الطفلة لم تتلق أي علاجات بعد القصف، لذلك فهي تناشد أن تكون ضمن الفلسطينيين الذين يدخلون إلى مصر معبر رفح، كونها لم يتبق لها أي من عائلتها سوى عمتها في القاهرة.
ولفتت شيرين إلى أن أحد جيرانها الذين ما زالوا على تواصل معها، قال لها في السابع من ديسمبر/ كانون أول إنهم سمعوا صوت بكاء طفل تحت الأنقاض ولا يستطيعون الوصول للصوت، وهي لا تعرف صحة هذه الأقاويل من عدمها، لذلك فهي تناشد الدفاع المدني والهلال والصليب الأحمر للتنقيب عن أي أحياء أو جثث أخرى.
مأساة جديدة في مصر
لا تقف مأساة شيرين عند هذا الحد، فبعد أن فقدت أولادها وأموالها ومنزلها، فقدت مع ذلك كل سبل الدعم في مصر، فبعد أن نفدت أموالها أصبحت تتنقل من بيت إلى آخر كضيفة لدى بعض الناس الذين لا تعرفهم، فتقول:
"أقيم في منطقة في الزقازيق، بعد نفاد أموالي وإنفاقها على الإقامة في الفندق، بعدها انتقلت كضيفة على عدة بيوت، مكثت عندهم ويراودني شعور صعب كوني بلا مأوى أو مال، وأنا حالياً أمكث في غرفة بقبو لا يلبي شروط السكن الإنسانية بلا شمس أو تهوية، اضطر إلى المشي ساعة أو ساعتين حتى أحصل على هواء".
وأشارت شيرين إلى أنها لم تتواصل مع أي منظمات أو هيئات للإغاثة كونها لا تعرف أحد في مصر، لكنها توجهت للسفارة الفلسطينية منذ ما يزيد عن الشهر ولكنها لم تحصل على أي نتيجة سوى أنها تركت لهم صورة من جواز سفرها هي وزوجها.
تعيش شيرين وزوجها وابنها في وضع مأساوي بعدما انقلب بهم الحال بشكل لم يتوقعوه، فتؤكد أنها حين غادرت الأراضي الفلسطينية كانت حركة العبور عبر المعبر طبيعية ولا توجد أي مشكلات، مشيرة إلى أنها تحاول العثور على أي فرصة عمل كريمة لها لزوجها لكن الأمر صعب كونهم فقدوا كل أوراق وشهادات خبراتهم في غزة فهي تعمل في المحاماة وزوجها حاصل على الماجستير في المحاسبة ويعمل في التحكيم المالي.
وتقول شيرين: "أتمنى أن أجد مكاناً يكون مناسباً أستطيع المكوث فيه، بالإضافة إلى فرصة عمل كريمة، كذلك أتمنى أن يحصل ابني على منحة لاستكمال دراسته الجامعية في مصر، فقد دفعنا مصاريف الفصل الدراسي الأول فقط وكان في مخططنا أننا سنعود إلى غزة ثم نعاود نرسل المصاريف الدراسية الخاصة بالفصل الدراسي الثاني من هناك".
واختتمت شيرين حديثها وهي تناشد العالم لإنهاء الحرب على غزة قائلة: "يكفي ألم الشعب الفلسطيني، نريد السلام ونريد أن نعيش في وطن مثلنا مثل أي شعب في العالم، نريد أمان، ولا تزيد مطالبنا عن وقف الحرب على غزة".