: آخر تحديث
عدنان البرش يحكي عن معاناته في جنوب القطاع

مراسل بي بي سي في غزة: "الحياة تغلق أبوابها في وجهي"

39
42
38

منذ أن بدأت إسرائيل قصفها المكثف على جنوب غزة في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري بعد انتهاء الهدنة، قتل مئات الأشخاص.

رجال يرتدون زي الطوارئ الطبية يقفون خارج المستشفى، بينما تتعالى الأصوات ويحتشد عدد من الناس في المكان. و شباب يرتدون الجينز والنعال يقفون في صفوف وكأنهم في جنازة أمام مستشفى النصر في خان يونس.

ليلة أخرى يسودها ظلام دامس تعيشها فرق الحوادث والطوارئ، تشيع الفوضى في المكان، بينما تسيطر الصدمة والإرهاق على الموجودين في المشهد.

توقفت سيارة وأصدرت أبواقها ونور مصابيحها، وهرع إليها البعض ليخرجوا شابا منها ويضعونه على نقالة ويدخلون به إلى المستشفى بسرعة.

في اليوم التالي في وسط المدينة تصرخ سماح علوان، أم لستة أطفال، طلبا للمساعدة.

تصل سيارة أخرى يغطيها التراب ويسرع البعض لإخراج طفل منها. يستطيع الطفل السير على قدميه، يبدو أنه في الرابعة أو الخامسة من عمره.

تقول سماح: "أريد أن أوجه رسالة إلى العالم أجمع وللعالم العربي".

وتضيف: "أريد أن أبعث برسالة إلى العالم أجمع ليعرفوا أننا أبرياء، وأننا لم نرتكب أي خطأ".

تلوح سماح بزجاجتين فارغتين في الهواء، وتقول إن أطفالها – خمس بنات وولد – عطشى.

وتتابع: "أصبحنا مثل القطط والكلاب، ربما تتمكن القطط والكلاب من العثور على مأوى، أما نحن فلا يمكننا ذلك. لقد تقطعت بنا السبل وأصبحنا في الشارع".

ومنذ بدء الحرب بعد الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت الحياة لا تطاق.

وقتلت حركة حماس 1200 شخص واحتجزت 240 شخصا كرهائن، وفقا للسلطات الإسرائيلية.

وتمثل الرد الإسرائيلي في أسابيع من القصف المكثف واجتياح بري لشمال القطاع.

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إن أكثر من 15,800 فلسطيني قتلوا حتى الآن، أغلبهم من النساء والأطفال.

وتوصل الجانبان إلى اتفاق على هدنة استمرت لسبعة أيام تم خلالها تبادل بعض الرهائن الإسرائيليين بسجناء فلسطينيين.

لكن القتال عاد إلى المشهد في غزة من جديد، بينما أنا هنا وحدي في خان يونس في حين تظل أسرتي في وسط غزة.

كان هذا المكان هو الأكثر أمانا على الإطلاق لشاحنة البث عبر القمر الصناعي حيث كانت تتوافر إشارة جيدة حتى قبل أيام قليلة. ودائما ما أفتخر بكوني صحفيا، لكن خياراتي بدأت تنفد وبدأت الحياة تغلق أبوابها في وجهي. فقد كنت أستطيع السفر إلى وسط غزة كل عدة أيام للاطمئنان على أسرتي، لكن الإسرائيليين أغلقوا أحد الطرق المؤدية إلى هناك، بينما ينطوي السفر عبر الطريق الآخر على خطورة كبيرة.

أنا أصلا من شمال قطاع غزة، لكنني نزحت إلى الجنوب مع أسرتي بعد أن أصدر الجيش الإسرائيلي أوامره بذلك، زاعما أن الجنوب "مكان آمن".

والآن يحذروننا من أن خان يونس أًصبحت "منطقة عمليات خطيرة"، ويخبروننا بأن نتحرك إلى الجنوب نحو رفح على الحدود مع مصر.

ورغم كل ما حدث لي ولأسرتي منذ اندلاع الحرب، فهذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بالضياع. فقد سُلبت مني قوة الإرادة والسيطرة على نفسي بالكامل.

ودائما ما أحرص على أن تكون أسرتي في أمان، ودائما ما كانت لدي خطة لذلك. أما الآن، فقد تقطعت بي السبل بينما أقف عاجزا عن اتخاذ أي قرار. هل ينبغي أن أتوجه إلى رفح وأستمر في عملي، آملا أن تكون أسرتي بخير؟ أم هل ينبغي أن أحاول العودة إليهم، والتوقف عن العمل كمراسل، وحتى إذا ساءت الأمور أكثر من ذلك، فعلى الأقل نموت معا؟

أتمنى ألا يواجه أحد هذه الخيارات المرعبة التي لا يمكن أن نعدها خيارات أصلا!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار