إيناس عبد الوهاب: "هل تعرفين كم شاب اسمه هشام قتل في غزة؟"، بهذه الكلمات بدأ هشام عورتاني حديثه معي.
هشام هو أحد الشبان الفلسطينيين الثلاثة الذين تعرضوا لإطلاق نار في أحد شوارع مدينة بيرلنغتون بولاية فيرمونت الأمريكية بينما كان اثنان منهما يرتديان الكوفية الفلسطينية.
إصابة هشام كانت الأعنف، إذ استقرت الرصاصة التي أصابته قرب عموده الفقري. وبعد تجاوزه مرحلة الخطر، يستعد الآن لرحلة علاج طويلة، يأمل في نهايتها أن يستعيد قدرته على المشي بعد أن فقدها تماما، كما أخبرني هو ووالده.
أما صديقاه، فقد غادرا المستشفى بعد استقرار حالتهما. تحسين أحمد كان قد أصيب برصاصة في صدره، وكنان عبد الحميد أصيب من الخلف لدى محاولته الهرب من مطلق النار.
يوم الحادث
كان أصدقاء الطفولة الثلاثة - وتبلغ أعمارهم 20 عاما - في زيارة لجدة هشام حين تعرضوا لإطلاق النار قرب منزلها.
يقول هشام: "بعد حضورنا حفل عيد ميلاد ابن خالي التوأم في منزل جدتي، ذهبنا نتمشى في شارع قريب كنا قد اعتدنا السير فيه خلال عطلتنا. وإذ برجل يخرج من منزله ويمشي باتجاهنا، ثم يطلق علينا النار من مسافة مترين، دون أن يتفوه بكلمة واحدة".
ألقت الشرطة القبض على مشتبه به، هو جيسون إيتون (48 عاما) الذي يسكن قرب منزل جدة هشام في مدينة برلنغتون. وأمام المحكمة، نفى المشتبه به تهم محاولة القتل، غير أن الشرطة تحقق في احتمال كون الحادث "جريمة كراهية".
حرب غزة
منذ بداية حرب غزة الحالية، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحدثت تقارير عن ارتفاع وتيرة حوادث "الإسلاموفوبيا" أو "معاداة المسلمين" في الولايات المتحدة، ويعتقد أن من بينها حادثة قتل وديع الفيومي الطفل الفلسطيني البالغ من العمر ست سنوات، في جنوب غربي مدينة شيكاغو، الذي قُتل على يد مالك المنزل الذي يقطن فيه، في بداية الحرب على غزة.
وترجح عائلات الشبان الثلاثة أنهم استُهدفوا بسبب هويتهم الفلسطينية، إذ كانوا يتحدثون العربية حين أطلق النار عليهم وكان اثنان منهما -هما هشام وتحسين- يرتديان الكوفية الفلسطينية.
كشاب من أصول فلسطينية يعيش في الولايات المتحدة، يقول هشام إنه كان يشعر بشيء من القلق منذ بداية حرب غزة، غير أن أقصى ما كان يتصوره هو أن يوجه له شخص كلاما مزعجا بسبب ارتدائه الكوفية الفلسطينية، أو مشاركته في تجمع لدعم الفلسطينيين، وهو ما حدث لأصدقائه، بحسب ما يقول. أما أن يصل الأمر لهذه النتيجة، فلم يخطر بباله قط.
غادر هشام المستشفى الذي نقل إليه فور إصابته، ليستكمل علاجه في مركز للتأهيل.
حين سألته عن وضعه الصحي حاليا، أخبرني أن إصابته بالعمود الفقري أفقدته القدرة على تحريك ساقيه، لكنه يستطيع الشعور بهما. وأضاف: "أمامي الآن رحلة طويلة من العلاج، ولا أدري إن كنت مفرطا في التفاؤل لكنني آمل في أن أتمكن من استئناف دراستي الفصل القادم".
مع ذلك، يشدد هشام على أنه "مجرد ضحية واحدة في صراع أكبر بكثير"- في إشارة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الفكرة نفسها، كانت محور حديث علي عورتاني والد هشام الذي يقيم بالضفة الغربية مع أسرته، فقد تكلّمت معه أكثر من مرة، قبل أن أتمكن من مقابلة هشام بسبب وضعه الصحي.
"نحمد الله أنه لا يزال حيا"
أول كلمات علي عورتاني كانت أنه يحمد الله أن ابنه كان محظوظا.
"فقد بقي على قيد الحياة بينما فقد آلاف الفلسطينيين في غزة حياتهم. ونُقل إلى المستشفى فور إصابته، بينما لو كان قد تعرض لإطلاق نار في الضفة الغربية، لربما منع الجيش الإسرائيلي سيارة الإسعاف من الوصول إليه"، كما يقول.
ولد هشام لأب فلسطيني وعاش طيلة حياته في الضفة الغربية قبل أن يسافر للولايات المتحدة للدراسة قبل ثلاث سنوات. يقول والده: "هشام أظهر منذ طفولته ذكاء شديدا وشغفا بالرياضيات، ما دفعنا للاستثمار في تعليمه وإرساله للدراسة الجامعية في الولايات المتحدة".
ويضيف: "قبل ثلاثة أسابيع أبلغني هشام بسعادة غامرة أنه يستعد للقدوم للضفة الغربية لقضاء إجازته معنا، لكنني رفضت وطلبت منه إلغاء السفر من أجل سلامته، لأن الأوضاع لدينا لا يمكن وصفها، لكن للأسف حدث ما حدث."
مع ذلك، يصر علي عورتاني على أن ما حدث لابنه "لا يقارن بما يعيشه سكان غزة والأراضي الفلسطينية بشكل عام".
"هل تعرفين كم شخص اسمه هشام قتل في غزة؟"
لم أستغرب السؤال، فصاحبه مولع بالرياضيات، التي يدرسها حاليا في جامعة براون الأمريكية.
كان هذا الشغف حاضراً في رؤيته لما يجري في غزة، ولما حدث له. أخبرني هشام أنه قبل الحادث، كان قد انضم لزملاء له في الجامعة في كتابة أسماء الفلسطينيين الذين سقطوا في حرب غزة، وكان العدد حينها ستة الآف.
يقول هشام: "رحت أفحص القوائم لأحصي عدد هؤلاء من يحملون اسمي، وجدت ثلاثة عشر شخصاً يحملون اسم هشام، وسبعة عشر تحتوي أسماؤهم على اسم هشام".
بعد الحادث، كتب هشام من المستشفى رسالة إلى زملائه الذين نظموا وقفة احتجاجية في الجامعة، يذكرهم بواقعة كتابة أسماء قتلى حرب غزة، جاء فيها "لو كنت هشاماً أخر من بين هؤلاء الهشامات لما ظهرت صورتي على وسائل الإعلام ولما روى أحد قصتي".
"الآن الناس تعرف قصتي، بينما آخرون ممن يحملون نفس الاسم مُحيت قصصهم للأبد ولن يتحدث عنهم أحد".
"كانوا أيضاً بشراً، ولم يكن يتعين عليهم أن يثبتوا ذلك لأحد. لم يروا رحمة ولا عدلاً ولا سلاماً".