أعلنت إسرائيل قطع الإمدادات الأساسية من كهرباء وماء ووقود ومواد غذائية عن غزة، في إطار ردها على هجوم حركة حماس الذي طال إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مجموعة إجراءات في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري وقال: "لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق"، مضيفاً: "نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك". ووصفت مجموعات حقوقية هذه الإجراءات بأنها "عقابية".
وقالت إسرائيل إنّها تقصف أهدافاً تابعة لحماس في غزة، رداً على هجوم الحركة على أهداف إسرائيلية عسكرية ومدنية، لكن التقارير أكدت مقتل مئات وإصابة آلاف المدنيين بالقصف.
وقال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، في حديث للصحافيين مؤخراً، أن مسلحي حماس، يطلقون الصواريخ من داخل الأبنية المدنية.
وقطاع غزة محاصر بالكامل منذ عام 2007، برياً وبحرياً وجوياً في إطار الصراع الدائر بين حماس وإسرائيل وأغلقت منذ الإعلان الإسرائيلي جميع المعابر بشكل تام.
ما موقف الأمم المتحدة؟
أكدت الأمم المتحدة أن الحصار الكامل "محظور" بموجب القانون الدولي الإنساني.
ويرقى العقاب الجماعي للسكان المدنيين، إلى جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
وقال مفوّض الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان: "إنّ فرض حصار يعرّض حياة المدنيين للخطر من خلال حرمانهم من السلع الأساسية للبقاء على قيد الحياة محظور بموجب القانون الدولي الإنساني".
وقال تورك: "القانون الإنساني الدولي واضح: الالتزام بالعناية المستمرة لتجنب إيقاع خسائر في أرواح السكان المدنيين".
كما حذّرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، من "تعرّض الفلسطينيين لخطر التطهير العرقي الجماعي" ودعت المجتمع الدولي إلى "التوسط بشكل عاجل لوقف إطلاق النار بين حماس وقوات الاحتلال الإسرائيلية" بحسب ما جاء في البيان.
وأضافت: "نفّذت اسرائيل في الواقع تطهيراً عرقياً جماعياً للفلسطينيين بحجّة الحرب. وهي تسعى باسم الدفاع عن النفس، إلى تبرير ما يرقى إلى مستوى التطهير العرقي".
وقالت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، في بيان، إنه "يجب على السلطات الإسرائيلية أن ترفع الحصار غير القانوني الذي تفرضه على قطاع غزة منذ 16 عاماً. إن العقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة يرقى إلى مستوى جريمة حرب، فهو أمر وحشي وغير إنساني".
أضافت أنييس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في البيان: "إن إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة، لديها التزام واضح بموجب القانون الدولي بضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين في غزة".
ومن جهتها، انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تصريحات غالانت حول فرض الحصار على غزة، واصفةً إياها بأنها "مروعة مقززة" وقالت إنها تمثل "دعوة لارتكاب جرائم حرب".
ونقلت المنظمة عن مدير شؤون إسرائيل وفلسطين فيها، عمر شاكر، في منشور لها على منصة إكس قوله: "حرمان السكان في أراضٍ محتلة من الغذاء والكهرباء يشكل عقاباً جماعياً وهو جريمة حرب، مثله مثل استخدام التجويع سلاحاً". وأضاف المنشور: "على المحكمة الجنائية الدولية أخذ العلم بهذه الدعوة إلى ارتكاب جريمة حرب".
وبحسب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن المدنيين الصادرة في العام 1949، تحت بند "المسؤولية الفردية والعقوبات الجماعية والنهب والانتقام"، "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي على جريمة لم يرتكبها هو شخصياً. وتحظر العقوبات الجماعية، وكذلك جميع تدابير الترهيب والإرهاب. وتُحظر الأعمال الانتقامية ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم".
ويوصف قطاع غزة بأنه أكبر سجن مفتوح في العالم، إذ أنه محاصر بالكامل منذ عام 2007، وهو أحد أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان.
ويشمل الحصار الحظر الشامل على سفر السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في القطاع، مع استثناءات قليلة.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في العام 2022: "يعتمد ما يقرب من 80 في المئة من سكان غزة على المساعدات الإنسانية. ويعيش أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم ما يزيد قليلاً عن مليوني نسمة في فقر، وما يقرب من 80 في المئة من الشباب عاطلون عن العمل".
وبحسب تقرير صادر عن اليونيسيف في العام 2022، بلغ متوسط انقطاع التيار الكهربائي في العام 2021، 11 ساعة يومياً. وكانت 78 في المئة من المياه المنقولة عبر الأنابيب في غزة غير صالحة للاستهلاك البشري.
هل ترتكب جرائم حرب في غزة؟
سألنا المحامي وأستاذ القانون الدولي رزق زغيب، إن كان ما يحدث في غزة يصنف كجريمة حرب بحسب القانون الدولي، وقال: "في القانون الدولي، لا يجوز حصار أي شعب".
وأشار إلى أنه "وفي حال كان هذا الحصار يتسهدف دولة، فإنه يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية، إضافة إلى أنه يعتبر عدواناً على هذه الدولة ويمكن بذلك ملاحقة المسؤولين عن تنظيم وتنفيذ هذا الحصار".
ويضيف زغيب: "في حالة قطاع غزة، أرض القطاع أرض محتلة تمارس عليها سلطة الاحتلال، وعلى الرغم من اعتبار إسرائيل أنها انسحبت منها، إلا أنها ما زالت بنظر القانون الدولي والأمم المتحدة، سلطة احتلال على كل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية".
وتابع: "هنا لا يمكن أن نتكلم عن عدوان، ولكن يمكن أن نتكلم بالتأكيد عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خصوصاً وأن السلطة القائمة بالاحتلال لديها مسؤولية إضافية في احترام القانون الدولي الإنساني في الأراضي التي تحتلها وبالتالي ما تفعله إسرائيل الآن هو خرق لموجباتها كسلطة إحتلال وترقى إلى مستوى فادح من المخالفات الجسيمة للقانون الدولي وترقى الى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".
ويشير زغيب أيضاً، إلى أنه يمكن البحث في ارتكاب إسرائيل لجرم "الإبادة"، وذلك بشرط إثبات بأنّ ما تفعله "نابع عن نيتها القضاء على الشعب الفلسطيني كشعب".
ويشدد زغيب أنه "ليس من السهل أبداً إثبات نية القيام بجرم الإبادة وبالتالي قتل وتدمير الشعب الفلسطيني بشكل كلي أو جزئي".
يشير زغيب الى أن دولة فلسطين "غير الموجودة فعلياً على أرض الواقع"، إلا أنها تنال اعتراف أكثر من 135 دولة، وهي عضو مراقب في الأمم المتحدة وقد تقدمت بطلب انتساب الى المحكمة الجنائية الدولية، وأحالت في العام 2021، ملفها الذي يتضمن جميع الارتكابات التي حصلت وتحصل على الأراضي الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية.
وتقول منظمة العفو الدولية إن الملف "يتضمن أيضاً جريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية المرتكبة بحق الفلسطينيين".
ويؤكد زغيب إنه يحق للدولة الفسطينية الطلب بالتوسع بالتحقيق الجاري ليشمل ما يحدث الآن، ويمكن للمحكمة بعد إجرائها لتحقيق أولي أن تقوم بإطلاق ملاحظات بحق أشخاص محددين تعتبر أنهم ارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون الدولي.
هل كان هناك قضايا مشابهة عبر التاريخ؟
هناك قضايا مشابهة في دول عدة بحسب زغيب، منها:
إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لمحكمة خاصة في يوغوسلافيا السابقة للنظر بالجرائم التي حصلت في البوسنة وفي كرواتيا، ولاحقت أشخاصاً اتهموا بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وثبت لها أيضاً أنه تم ارتكاب جرم الإبادة بمدينة سربرنيتسا بحق المسلمين البوسنيين.
في رواندا، أنشأت محكمة خاصة للنظر بجرائم حرب وجائم ضد الإنسانية والإبادة، بحق أقلية قبائل التوتسي من قبل متطرفين من قبيلة الهوتو.
في سيراليون، أقيمت محكمة خاصة لاحقت واتهمت رئيس ليبيريا تشارلز تايلور ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" أثناء الحرب الأهلية في البلاد.
تلاحق المحكمة الجنائية الدولية، الرئيس السوداني، عمر البشير، واتهمته بارتكاب إبادة جماعية ضمن جرائم الحرب الذي ارتكبها في دارفور.
هل يمكن تسييس القضايا القانونية؟
يصنف القانون الدولي الإنساني والقانون الجزائي، فئات بوصفها محمية مثل المستشفيات، والطواقم الطبية، وأماكن العبادة، وغيرها.
وبحسب زغيب، فإن "المدنيين محميون دائماً بشكل مطلق، ولكن، وفي حال استخدام أماكن تواجدهم كمواقع عسكرية، يطبق القانون الدولي الإنساني هنا مبدأ التناسب".
ويعني التناسب، أنه إن كان الهدف مطلق صاروخ، ولكن العملية العسكرية أدت إلى مقتل آلاف المدنيين، يغلّب القانون الدولي حماية المدنيين ويعتبر أنه تم ارتكاب جرائم حرب.
وكانت منظمة العفو الدولية نشرت في يونيو/حزيران من العام الجاري، تحقيقها في هجوم مايو/أيار 2023 على قطاع غزة، وخلصت إلى أن إسرائيل "قد دمرت منازل الفلسطينيين بشكل غير قانوني، بدون ضرورة عسكرية في كثير من الأحيان، فيما يرقى إلى شكل من أشكال العقاب الجماعي ضد السكان المدنيين".
وفي تقريرها الصادر في فبراير/شباط 2022، أوضحت منظمة العفو الدولية "كيف ارتكبت القوات الإسرائيلية في غزة (وكذلك في الضفة الغربية وإسرائيل) أعمالاً محظورة بموجب نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، كجزء من هجوم واسع النطاق وممنهج ضد السكان المدنيين بهدف الحفاظ على نظام من القمع والهيمنة على الفلسطينيين، مما يشكل جريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية".
على المقلب الآخر، أدانت كل من إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا ودول أخرى، "وحشية" هجمات حركة حماس ضد المدنيين الإسرائيليين.
ومن جهتها، تحدثت المنظمات الحقوقية الدولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"أمنستي" عن الانتهاكات التي ارتكبها الطرفان، وأشارت أيضاً إلى ارتكاب حركة حماس لجرائم حرب في استهدافها وأخذها لرهائن من المدنيين الإسرائيليين.
وقالت أنياس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: "إن عمليات القتل الجماعي المروعة التي ترتكبها الجماعات المسلحة الفلسطينية بحق المدنيين الإسرائيليين، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة، لا تعفي إسرائيل من الوفاء بالتزاماتها باحترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين. وإن العقاب الجماعي للمدنيين في غزة لن يحقق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ترتكبها حماس، وغيرها من الجماعات المسلحة، ولن يحقق الأمن للمدنيين في إسرائيل".