ايلاف من لندن: دعا العراق منظمة اليونسكو الاثنين الى ارسال فريق متخصص لاجراء مسح شامل للتعرف على آثاره غير المكتشفة.
وفي خلال اجتماع الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في بغداد اليوم مع مدير عام منظمة اليونسكو أودري أزولاي والوفد المرافق لها، جرى التأكيد على ضرورة الاهتمام والتركيز على إحياء الآثار والتراث العراقي الغني والعمل على ترميم ما تضرر من هذه الآثار نتيجة ما تعرضت له من تخريب على يد الإرهاب، حيث أشار إلى ضرورة تعزيز سبل التعاون بين العراق واليونسكو، والعمل على تطوير قطاعات التعليم والثقافة والعلوم، والحفاظ على التراث والتنوع الثقافي في البلاد.
أوضح رشيد أن العراق غني بمعالمه الآثارية، مشيراً إلى المدينة القديمة التي تم اكتشافها مؤخراً في محافظة دهوك الشمالية وغيرها العديد من المواقع التاريخية التي لم تكتشف لغاية الآن، ومشدداً على الحاجة إلى إجراء مسح شامل من طريق تشكيل فريق عمل دائم التواجد، كما نقل عنه بيان رئاسي تابعته "ايلاف".
فريق مسح متخصص
بدورها، عبرت أزولاي عن ارتياحها لما حققه العراق من إنجازات في الحفاظ على الموروث الثقافي والإنساني والآثاري في البلاد، مؤكدة استعداد المنظمة لتقديم كل انواع الدعم الممكنة للعراق من أجل المحافظة على الآثار والتراث العراقي المتميز.
أضافت أزولاي أن الزيارات التي قام بها البابا فرنسيس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى العراق خلال العامين الاخيرين "قد ألهمتنا الكثير، مايجعلنا تأكيد التزامنا تجاه مدينة الموصل والعراق بشكل عام وسنقوم بإرسال أجراس من فرنسا إلى كنائس الموصل لأن ما يهمنا هو أن تعود الحياة الثقافية إلى هذه المدينة.
المتحف الوطني وشارع المكتبات
يشار الى ان المديرة العامة لليونسكو وصلت الى بغداد اليوم في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، تزور خلالها عدة ورش تأهيل لمواقع أثرية، وتناقش مع المسؤولين مسألة الدعم في مجال الثقافة والتعليم.
وفي إطار أول زيارة لها إلى العراق، تجول أزولاي في المدينة القديمة ببغداد وشارع المتنبي المشهور بمكتباته.
وقال المتحدث باسم اليونسكو لوكالة فرانس برس من مقر المنظمة في باريس إن "هذه الزيارة مكرّسة لإعادة إعمار العراق واستثمار اليونسكو في هذه العمليات اذ ان هناك أفكار تدرسها السلطات العراقية بشأن كيفية الحفاظ على هذا التراث والفكرة هي أن نرى كيف يمكن لليونسكو أن تساعد في تسليط الضوء على هذه الحياة الثقافية، وفتح المجال أمامها في مواصلة التطور".
ويضمّ العراق ستّة مواقع أثرية منضوية في التراث العالمي: وهي مهد الحضارات السومرية والأكادية والبابلية والآشورية، التي منها انطلقت الكتابة وانبثقت المدن الأولى.
وعانى العراق من نهب آثاره وتهريبها بعد الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003 ثم سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق واسعة في البلاد.
وخلال زيارتها للمتحف، تعتزم أزولاي «تهنئة» موظفيه الذين يعملون منذ عام 2003 على إعادة القطع الأثرية حيث قاموا خلال عشرين عاماً "بعمل جبار لاسترداد الآثار العراقية المبعثرة"، اذ لم يكن المتحف بمنأى عن عمليات النهب في عام 2003، وسط الفوضى التي تبعت الغزو الأميركي.
تفقد ورش تأهيل مواقع أثرية
تزور أزولاي الثلاثاء مدينة الموصل لتفقّد ورش تأهيل مواقع أثرية تقوم بها اليونسكو في هذه المدينة الكبيرة عاصمة محافظة نينوى الشمالية التي كانت معقلاً للتنظيم الإرهابي ولحق بها دمار كبير إثر معارك ضارية.
كما ستحطّ المسؤولة الدولية الأربعاء في أربيل عاصمة إقليم كردستان الشمالي حيث تقع قلعة أربيل الأثرية المصنفة ضمن التراث العالمي.
جامع النوري
وكانت اليونسكو قد اعلنت في ابريل 2021 عن التصميم الفائز لاعادة بناء جامع النوري الكبير في الموصل الذي دمره داعش في عام 2017، لتتولى الامارات إعادة بنائه.
وقالت اليونسكو في بيان ان ثمانية معماريين مصريين قد فازوا في المسابقة الدولية لإعادة إعمار مجمع مسجد النوري التاريخي في الموصل، وهو أحد المكونات الرئيسية لمشروع المنظمة الطموح لإعادة تأهيل المدينة القديمة من الموصل تحت شعار "إحياء روح الموصل".
تعزيز المصالحة والتماسك
اشارت اليونسكو الى ان إعادة بناء مجمع مسجد النوري سيكون علامة بارزة في عملية تعزيز المصالحة والتماسك الاجتماعي في المدينة التي مزقتها الحرب.
وقالت أزولاي بعد اختيار التصميم الفائز: "إن المواقع التراثية والمعالم التاريخية هي محفزات قوية لشعور الناس بالانتماء والمجتمع والهوية.. إنها مفتاح لإحياء روح الموصل والعراق ككل".
من جانبها، أوضحت نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب بدولة الإمارات العربية المتحدة، انه في عام 2018، "أخذت دولة الامارات زمام المبادرة وانضمت إلى اليونسكو في هذا المسعى التاريخي، المستوحى من تاريخ وإرث الموصل ومرونة وقوة شعبها. لقد قربنا بلوغ هذا الإنجاز الهام من تحقيق الالتزام المشترك لاستعادة التماسك الاجتماعي وروح الأخوة والتسامح في الموصل مرة أخرى".
الزنكي شيده وداعش فجره
يشار الى ان جامع النوري الكبير في الموصل قد بناه نور الدين زنكي في عام 1173 بعد ان سيطر على المدينة، وهو من مساجد العراق التاريخية، ويقع في الساحل الأيمن للموصل وتسمى المنطقة المحيطة بالجامع محلة الجامع الكبير.
تردد اسم هذا الجامع في الاخبار كثيرا بعد استيلاء داعش الارهابي على الموصل في يونيو 2014، حيث القى زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي من منبره خطبته التي اعلن فيها قيام "دولة الخلافة"، ثم قام مسلحو التنظيم بتفجيره.
ويشتهر الجامع بمنارته المحدَّبة، وهي الجزء الوحيد الباقي في مكانه من البناء الأصلي، وعادة ما تقرن كلمة الحدباء مع الموصل وتعد المئذنة أحد أبرز الآثار التاريخية في المدينة.
بلغ ارتفاع المئذنة عند انشائها 45 مترا وكانت مستقيمة تماما، لكن في الوقت الذي شاهدها الرحالة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر، كانت بدأت بالميلان وحصلت على لقبها "الحدباء".
ونور الدين زنكي، المولود في الموصل في عام 1118، هو ابن عماد الدين زنكي، أمير دمشق وملك الدولة الزنكية. وخضع الجامع والمدرسة الملحقة به لعملية تجديد وترميم نفذتها الحكومة العراقية في عام 1942، لكن المئذنة لم ترمم. وفي عام 1981، استقدمت شركة ايطالية وكلفت بتثبيتها، الا ان المئذنة تعرضت للمزيد من الضرر إبان الحرب العراقية - الايرانية في الثمانينيات، اذ تسبب القصف الجوي الايراني في تحطيم انابيب الماء الموجودة تحت اسسها، ما زاد ميلان المئذنة بنحو 40 سنتمترا منذ ذلك الحين.