في علم السياسة إن أي نظام سياسي في أي بلد يعتمد على ركيزتين اساسيتين هما الرؤيا (الآيديولوجيا) التي يتبناها النظام لإعادة صياغة المجتمع وإصلاحه والأخرى هي الحاضنة الجماهيرية التي تنسجم مع تلك الرؤيا. هذا النظام السياسي النموذجي كنا نتطلع له منذ عام 2003 بعد سقوط الديكتاتورية بواسطة القوات الأمريكية وخاصة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن بأن العراق سوف يكون قدوة يحتذى به في الشرق الأوسط ديموقراطيا واقتصاديا وأمنيا وحتى جواز السفر العراقي سوف يكون الأقوى عالميا.
ولكن المفاجئة أن هذا النظام السياسي النموذجي قد تبخر وذهب ادراج الرياح عندما شكل الحاكم المدني الأمريكي پول برايمر مجلس الحكم على أساس طائفي كان نواة لتأسيس نظام سياسي طائفي مذهبي وعرقي يعتمد المحاصصة بين المكونات السياسية مما حدى بالسياسيين العراقيين الوطنيين من علمانيين وليبراليين الذين رافقوا القوات الغازية أن يعودوا من حيث أتوا لأنهم ببساطة لا يجيدون العمل السياسي تحت المظلة الطائفية، بينما الاحزاب السياسية الحالية وجدت نفسها معنية بأن تتبنى شكل النظام الطائفي والنهوض بالاجندة الخارجية المناطة لها وهكذا وجدت تلك الاحزاب نفسها هي جزء من معادلة الصراع العسكري الاقليمي والدولي مما جعل القرار السياسي العراقي هو قرارا خارجيا بامتياز.
لكن الحكومة العراقية في ظل النظام الطائفي دستوريا يجب أن تنبثق من صناديق الاقتراع في ظل برنامج انتخابي تنافسي اقتصاديا خدميا رفاهيا امنيا لتحقيق تطلعات الناخب،لكن هذا التنافس لم يكن من صلب اهتمام الاحزاب السياسية التي اقحمت نفسها في الصراع الاقليمي، ولأجل التخلص من مسؤولياتها والتملص من التزاماتها تجاه المواطن، فسرت تلك الركيزتين (الرؤيا والحاضنة الجماهيرية) المذكورتين اعلاه بانهما يعنيان إنتعاش المذهب (شيعي أو سني) والعرق (عربي كردي تركماني الخ) على أساس استحقاق المكون وقداسته اسمى من حاجة الفرد وهكذا وجد المواطن العراقي نفسه وثرواته وبلده ضحية الصراع الاقليمي والدولي.