الدوحة: قد تتميز "الكِمة" العمانية عن "القحفية" القطرية بنقوشها وزخرفاتها الملوّنة، لكن المعلّق الرياضي خليل البلوشي لا يُغرّد خارج سرب المدرسة الخليجية الصاخبة، شأنه شأن الشريحة الأكبر من المعلقين العرب، في تعبير صريح عن ثقافة كروية متوارثة في منطقة تستعد لاحتضان أول مونديال في الشرق الأوسط.
أفرغت مباراة الغرافة والأهلي في الأسبوع السادس من الدوري القطري في كرة القدم، ما في جعبة خليل من حماس، فصدح صوته بـ"اوهووووووه" ست مرات في مباراة تقاسمها الفريقان بثلاثة أهداف لكل منهما.
حاملاً أوراقه، ومرتدياً "الكِمة" على رأسه، دخل البلوشي (42 عاماً)، صاحب البنية الجسدية القوية، استاد الثمامة المونديالي، المُصمّم على شكل القحفية، للتعليق على مباراة تناثرت جماهيرها القليلة في مدرجات تتسع لـ 40 ألف متفرج، على مشارف استضافة كأس العالم.
المجلس وجهة مفضلة!
جماهيرٌ لم تنكفئ عن الحضور إلى الملعب المُكيّف كحال كثيرين فضّلوا عدم الذهاب في الطقس الحار والرطوبة العالية في بلاد اختارت مشارف الشتاء موعداً لمونديالها.
يبرّر المشجع أحمد جابر الشهابي (21 عاماً) الذي حضر لمؤازرة الأهلي "الطقس حار جدًا، لذا معظم الناس تتابع من المنزل".
يوضح الطالب الجامعي لفرانس برس أسباب متابعة الجماهير للمباريات في المجلس وهو جلسة عربية تتميّز بها المنازل الخليجية "في تقاليدنا وثقافتنا نحبّ التجمّع في المجلس، ونفضّل متابعة المباريات مع الاصدقاء والعائلة. ليس كرة القدم فحسب بل كل الرياضات".
ما أن أنهى الحكم المباراة حتى توجّه أحمد إلى استاد خليفة المونديالي أيضاً، "لمساندة العربي، الفريق الذي يشجّعه صديقي"، إذ لا تتجاوز المسافة بين الملعبين 12 كلم، في تجسيد لطبيعة الملاعب المتقاربة المسافة في قطر.
ولكرة القدم في قطر، ثقافة، محبّون وعشاق ضاقت بهم مدرجات الملاعب بين سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، قبل أن ينحسر حضورهم في السنوات اللاحقة رغم الملاعب الفارهة المُجهّزة للمونديال.
وفيما يرى النجم التونسي يوسف المساكني (31 عاماً)، المحترف في قطر منذ تسع سنوات أن "الناس اصبحوا هنا مغرومين اكثر بكرة القدم بعد التطور الملحوظ على مستوى الملاعب والبنية التحتية"، يُفضل الكثير من القطريين متابعة المباريات، المنقولة تلفزيونياً بتقنيات عالية، في "المجلس"، الاسم المرتبط أيضاً ببرنامج تلفزيوني شهير لتحليل المباريات.
جاليات تتنفس كرة قدم!
لكن الجالية التونسية على سبيل المثال، شأنها شأن معظم جاليات شمال أفريقيا في الدوحة تفضل الذهاب إلى المقاهي.
يقول التونسي محمد حلمي باني، مدير مقهى "فوتبول" وسط العاصمة القطرية إن "جاليات شمال أفريقيا يتنفسون كرة القدم. يأتون لمتابعة مباريات في الدوريات الأوروبية".
وفيما يؤكد أن القطريين يأتون أيضاً لمتابعة مباريات باريس سان جرمان الفرنسي، يشير إلى أن أكثر الدوريات متابعة في المقهى هو الدوري الانكليزي.
ويترقب المقهى، الذي افتتح في شباط/فبراير الماضي، استضافة قطر لكأس العالم، إذ سيعمد إلى وضع شاشات في الخارج لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الرواد.
ضرورة عودة المنافسة
عن أسباب عزوف الجماهير وتفضيلها المجلس، يُجيب اللاعب الدولي السابق محمد مبارك المهندي بلسان حال الجماهير، "عندما يخسر فريقي ولا ينافس، سأجلس وأتابع على التلفزيون، لكن هذا الموسم معظم الناس تستمتع بفرقها لانها تنتصر وتتنافس".
يلفت لاعب الخور والسد سابقاً إلى أن الانتصارات تجلب الجماهير "إذا كنت لا تعلم من سيفوز بالدوري، سترى الجماهير بكثافة وهذا ما يحدث حالياً".
ومع انتهاء المرحلة السابعة والأخيرة من الدوري قبل التوقف بسبب المونديال، يتصدر النادي العربي، صاحب القاعدة الجماهيرية العريضة الترتيب بفارق نقطة عن الوكرة، في ظل تراجع كبير للسد حامل اللقب.
بالمقابل، على مسافة شهرين من المونديال، يقوم الاتحاد القطري بمبادرات متواصلة لدعم المنتخب جماهيرياً، كان آخرها الحملة الترويجية التي أطلقت من مشيرب.
وصفها مدير التسويق خالد الكواري بأنها تأتي "في إطار حملات قمنا بها سابقًا سواء في الكأس الذهبية وكوبا اميركا والتصفيات الاوروبية المؤهلة للمونديال" التي شارك بها العنابي مدعواً "جمهورنا محب لمنتخبنا، وكما تابعنا في بطولة كأس العرب العام الماضي، سيكون جمهورنا متواجد بكثافة".
التعليق الصاخب!
بخلاف الملاعب المونديالية المرتبطة بالتقاليد ورمزية حضور المباريات في المجالس، يعكس التعليق الصاخب ثقافة خاصة ومدرسة خالصة، تتشابه إلى حد كبير مع المدرسة اللاتينية.
يقول البلوشي لوكالة فرانس برس "المدرسة الصاخبة في التعليق تختلف تماماً عن المدرسة الأوروبية الهادئة".
يُبرّر ذلك "في أوروبا، بإمكانهم التعليق بهدوء، بسبب ارتفاع حرارة المباريات، بينما نضطر نحن إلى أن نرفع ايقاع المباريات عبر التعليق بصوت مرتفع".
وإذا ما كان سيعلق بهدوء على مباريات كأس العالم، يجزم البلوشي الذي بدأ مسيرته في قنوات الكأس الرياضية عام 2007 "لن أغيّر، فالناس أحبتني وعرفتني على هذا الأساس".
وبالحديث عن جمالية الملاعب وتأثيرها على الأجواء، يرى البلوشي أن العديد من الأمور تغيرت في قطر اعتباراً من عام 1995، ثم مع استضافة البلاد لبطولة كأس العالم للشباب إلى فوزها باستضافة المونديال في كانون الأول/ديسمبر 2010.
لكن البلوشي الذي بدأ التعليق هاوياً في المدرسة يعزو "تعلّق" الشعب القطري والخليجي بكرة القدم إلى بطولات كاس الخليج: "هي واحدة من الامور التي جعلت الكرة مهمة للشعب".