الرباط: استبعد 75 في المائة من المغاربة شاركوا في استطلاع" إيلاف المغرب" الأخير ، أن يكون موقف الجزائر الرسمي المساند للمغرب صادقا بخصوص الحملة التي يقودها لنيل شرف تنظيم كاس العالم عام 2026.
ويعتقد المستجوبون أن تأييد المغرب من قبل جارته الشرقية ، لم تمله اعتبارات الأخوة والتضامن المغاربي، كما هو مفترض، بقدر ما اعتبروه استباقا لموقف الجماهير الرياضية في الجزائر المتعاطفين دائما مع أشقائهم في المغرب والذين طالما عبروا بإشكال مختلفة عن سعادتهم وفرحتهم في حالة ما إذا حظي المغرب باحتضان العرس الكروي العالمي ما قد يمكنهم من الاستمتاع بالكرة العالمية على بعد مسافات معقولة من بلادهم ،بل رأوا في ذلك إمكانية فتح الحدود البرية المغلقة منذ سنوات بين البلدين؛ حتى إن تحليلات سياسية متوافقة في أكثر من منبر إعلامي رجحت الاحتمال الذي تمناه المشجعون الجزائريون .
وتصادف وضع سؤال "إيلاف المغرب "على متصفحيها، مع حدوث تطورات سلبية في العلاقات المغربية -الجزائرية انضافت إلى الإشكالات المزمنة الناتجة عن تباعد مواقف البلدين الجارين بخصوص نزاع الصحراء التي استعادها المغرب عام 1975 .
وبينما كان المغرب يخوض حملة الإقناع لدى عدد من الدول المترددة ، توترت الأجواء بين الرباط والجزائر على خلفية نفس السبب ، وازداد غضب الأولى على ما تعتبره إمعانا من الجزائر،لأنها تتمسك بالحق في استعادة كامل أراضيها وصيانة وحدتها الترابية؛ بينما انساقت الجزائر في تأييد ما تسميه "حق الشعوب في تقرير المصير" ينسجم من وجهة نظرها مع الشرعية الدولية ؛ علما أن مبدأ تقرير المصير،هو في حد ذاته مفهوم غامض وملتبس بشكل مقصود، في بعض صياغاته القانونية حتى يكون أرضية تفاوض ونقاش واجتهاد بين المختصين في القانون الدولي . وبالتالي فإن اعتماد صيغة من صيغ هذا الحق، تأتي في الغالب خلاصة وتتويجا لجدل قانوني وخلاف سياسي، ما يجنب الأطراف المختلفة الانجرار نحو حسم المشاكل العالقة بينها بالوسائل العنيفة.
ويلوم المغاربة جارتهم ،كونها تصرف طاقات سياسية وأموالا طائلة في تأييد أطروحة انفصال الصحراء عن المغرب .لا يتوازي ما تقوم به الجزائر من جهد إسنادا للشعب الفلسطيني صاحب الحق المشروع في المطالبة بتقرير المصير الذي أقرته بشكل لا غبار عليه الشرعية الدولية في عدد من المناسبات والمحطات التاريخية من النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن حملة المغرب من أجل تنظيم كاس العالم ، تزامنت مع تصاعد توتر جديد في الأقاليم الجنوبية وتحديدا في المنطقة العازلة بين الجدار الأمني الواقي للصحراء المغربية من هجمات جبهة البوليساريو التي توقفت باستكمال تشييد الجدار نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي ما أمكن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1991 بين المغرب وميلشيا "بوليساريو" ؛ بدعم ورعاية من الأمم المتحدة التي أوفدت فيما بعد إلى الصحراء بعثة عسكرية لمراقبة الالتزام بوقف العمل المسلح والابتعاد عن المنطقة العازلة المنزوعة السلاح التي اقترحها المغرب طوعا ، تعبيرا عن حسن النية حيال الجزائر الداعمة للجبهة الانفصالية ، وأملا كذلك في ترك الباب مفتوحا أمام تسوية سلمية محتملة للنزاع ، بل كثيرا ما لمحت الرباط إلى أنها ستأخذ في الاعتبار في أية تسوية مصالح الجزائر كطرف معني بما يجري قرب حدودها مع المغرب.
وظل الملك الراحل الحسن الثاني متعلقا بهذا الأمل ، الذي واكبه العاهل المغربي محمد السادس ولذلك بذل ما في جهده لبلورته وإحيائه من خلال اتخاذه مبادرات جريئة وإيجابية حيال الجزائر ،سعيا إلى طي نهائي لخلاف يعود بشتى الأضرار على منطقة المغرب العربي.
وتصادف هذا الاستطلاع أيضا مع وقوع كارثة جوية ذهب ضحيتها 257 عسكريا جزائريا أقلتهم طائرة عسكرية في طريقهم إلى" تندوف" حيث توجد مخيمات جبهة البوليساريو. وكان ضمن الضحايا حوالي ثلاثين عنصرا من الجبهة تجهل رتبهم ومسؤولياتهم وسبب وجودهم مع جنود جزائريين وهو أمر نادر الوقوع.
وفجع الرأي العام المغربي مرتين : صدمته الكارثة الجوية وارتفاع عدد الضحايا ،لكن الذي أيقظ جراحه حقا هو وجود عناصر من جبهة البوليساريو على متن طائرة عسكرية جزائرية مخصصة حصريا لنقل عناصر الجيش الشعبي الجزائري .وهذا ما رفع منسوب الشك في حياد مزعوم للجزائر في نزاع الصحراء.
وإذا كانت الكوارث تحمل في طياتها خيرا في بعض الأحيان، فإن المأساة المروعة التي وقعت بالقرب من القاعدة العسكرية "بوفاريك" ضواحي العاصمة الجزائرية ؛ ربما خففت من حدة الأزمة المتأججة بين البلدين لدرجة أن مراقبين ومحللين رأوا في التصعيد الأخير نذر اندلاع نزاع مسلح بين الجزائر والمغرب ، ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة يناشد الأطراف بضبط النفس. وكان التحذير الأممي واضحا إلى الجهة الانفصالية ، بالنظر إلى خرقها المتكرر والمتعمد وقف أطلاق النار حينما تسللت إلى المناطق المنزوعة السلاح وأقامت بها بنيات إدارية وعسكرية للإيهام بأنها حررت الأرض .
ولوحظ في المدة الأخيرة وتزامنا مع استطلاع "إيلاف المغرب" حدوث تجاوب وتبادل كثيف لمشاعر الأخوة بين المغاربة والجزائريين على الصعيدين الشعبي والرسمي . وكانت شبكات التواصل الاجتماعي الفضاء الذي نقل تلك المشاعر المتبادلة حيث لوحظ ارتفاع في منسوب تأييد المغرب لتنظيم التظاهرة الكروية العالمية .
هل يساهم العرس الكروي المأمول، في حدوث شكل من أشكال التطبيع بين ركيزتي الاتحاد المغاربي؟
من الصعب ربط الرياضة بخلافات سياسية باعدت في الماضي والحاضر بين المغرب والجزائر ، خاصة وأن قرار تنظيم كاس العالم ، لم يحسم بعد لصالح المغرب كونه يواجه منافسين أقوياء من جهة، كما أنه بدا يتعرض لحملة تشكيك إعلامية في قدراته على التنظيم المحكم تغذيها أطراف مجهولة يبدو أنها مستمرة إلى أن يحسم في الأمر تقرير اللجنة التي أوفدتها "الفيفا" لمعاينة ميدانية للتحقق من المنشآت والتجهيزات الرياضية ودرجة الاستعداد في المغرب.
وعموما فإن نتيجة استطلاع" إيلاف المغرب " تعكس حقيقة كبرى ومرة يجب أن لا تغيب عن الأذهان في هذا الصدد ، وهي توجس نسبة عالية من المستطلعين تقترب من الثماني في المائة ، تشك في النوايا السياسية للجزائر حيال بلادهم ، ليس في مجال الرياضة بل في قضايا أخرى .
صحيح أن التيار الشعبي العارم في البلدين ، لا يساير نفس المنطق الذي يعتمده السياسيون ، وهي نقطة الضوء الوحيدة في ملف الأزمة المستعصية بين البلدين ؛ لذلك يتمنى أصحاب الإرادات الطيبة والنوايا الحسنة أن يتحقق أمل ومطلب المغرب في استضافة كأس العالم ، لعل المناسبة تكون فاتحة عهد جديد في التفاهم بين الرباط والجزائر.
إن الحدث الرياضي كفيل بإطلاق دينامية وحيوية مجتمعية تجتاح الفضاء المغاربي برمته ، ستتيح لمواطني البلدان الخمسة التنقل بحرية من بلد إلى آخر إلى المغرب ، من دون أن يعترضهم أحد في الحدود.
كثيرون يقولون :لو صفت النفوس ، وانتصر العقل السياسي الواقعي الراجح ، لسارع اتحاد المغرب العربي، إلى تبني ملف المغرب والدفاع عنه في المحافل الرياضية ونزلت الدول بكل ثقلها السياسي والاقتصادي في حملة الإقناع . إن حدث ذلك فربما ينقذ الاتحاد نفسه من موت سياسي يتهدده منذ سنوات تفاقم في الظرف الراهن ،وقد يقضي على الحلم نهائيا.