ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، وتحديداً في غزة، وما دار بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مستقبل غزة، لم يكن وليد اللحظة، ويبدو أنه أمر مدبر من سنوات، وربما كانوا ينتظرون الفرصة، وقد تكون عملية "طوفان الأقصى" الفرصة المناسبة لتصفية القضية الفلسطينية بكل مكوناتها. في البداية ظهر الأمر وكأنه مجرد انتقام قاس، حتى يتم تدمير غزة بشكل كامل، ومن ثم الدخول في المرحلة الثانية التي تتطلب تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة إلى مصر والأردن حسب التوجيهات الأميركية، دون النظر إلى أي ردة فعل من الجانب العربي والإسلامي وبعض دول أوروبا، هذا التحدي الصارخ لا يعتبر دهاء أو حكمة من الجانب الأميركي والإسرائيلي، بل هو تهور وعدم قدرة على تحديد العواقب. فلن يقف العرب مكتوفي الأيدي ولديهم من العمل والقدرة على إيقاف كل هذه التوجهات التي بدورها تقضي نهائياً على عملية السلام المنشودة في المنطقة.
ترامب يتعمد تفسير ما سيحدث على أنه مصلحة عامة، وكذلك مصلحة خاصة تخدم المنطقة ومشروع السلام، ولا نعلم أين المصلحة في احتلال دولة وتهجير أهلها؟! كل تلك التصريحات هي في حقيقة الأمر قفز على كل الأنظمة والأعراف الدولية، وإدخال المنطقة في حالة صراعات لن تنتهي.
إقرأ أيضاً: العالم ينتظر ترامب!
لن يعي الرئيس الأميركي خطر ما سيرتكبه بتلك التصريحات على المنطقة ومصالح الأميركيين فيها، ولن ترضخ مصر ولا الأردن لمثل تلك التهديدات، والرئيس الأميركي بهذا الاندفاع في اتخاذ القرارات أعلن حالة التوتر في المنطقة، وفي الجانب الآخر تقف السعودية متمسكة بمواقفها تجاه القضية الفلسطينية، وترد الخارجية السعودية بشكل متواصل وواضح كلما استدعى الأمر ذلك.
الوضوح الذي تقدمه السعودية في هذا الجانب يدل على أن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه خط أحمر وغير مقبول التفاوض حولها، ونجاح عملية السلام مرتبطة بتلك الحقوق.
إقرأ أيضاً: السعودية وأمتنا العربية
التوازن الذي تحدثه السعودية في مشروع السلام في المنطقة يدعم كل التوجهات الدبلوماسية والسلمية، ومن المفترض في الجانب الآخر أن يكون التعامل بالمثل، إذ ليس في مصلحة الجميع، سواء في المنطقة، أو في العالم كله، أن تخرج الحوارات والمفاوضات عن مسارها السلمي، ولن تؤثر التصريحات المستفزة التي يتناوب على إطلاقها الرئيس الأميركي ونتنياهو في إشعال أي فتيل يجعل المنطقة تعيش في قلق وتوتر مستمر.
في السعودية وبعض الدول العربية يدركون أنَّ حل الأزمة القائمة الآن يبدأ من طاولة المفاوضات، ويجب على الجانب الأميركي ألا يتخلى عن دوره الجوهري في حل الأزمة بالطريقة السلمية الصحيحة التي تضمن للشعب الفلسطيني حقه، لكن محاولة إرغام مصر والأردن على فتح الحدود للفلسطينيين لتهجيرهم يرفع وتيرة التصعيد، ويقود الجميع لمنطقة حرجة لا يمكن أن يتخللها تنازلات عربية في هذا الجانب، فلا أحد في هذا الوطن العربي الكبير يتمنى أن يعود الماضي، وأن يخرج الشعب الفلسطيني من أرضه بوعود لن تكون صحيحة، ولن تنفذ في المستقبل.
إقرأ أيضاً: "أخيراً وليس آخراً" عادت سوريا
الجهود العربية اليوم كبيرة بقيادة السعودية تحديداً في هذا الملف، وقد اعتدنا على مر السنوات الماضية على النجاحات الكبيرة التي تحققها السعودية في كل ملف سياسي تخوض فيه، ومن هنا تظهر بعض صور الارتياح عند الشعب العربي، ما زلنا في مرحلة الخطر، وما زلنا نملك خيارات السلام وضبطه في المنطقة. وقد تكون زيارة العاهل الأردني للولايات المتحدة تؤكد أن فرص السلام ما زالت قائمة، فلم ينجرف خلف تصريحات الرئيس الأميركي، ولم تكن ردة فعله متشنجة، كان يبحث عن كسب الوقت حتى يجتمع العرب، ويضعوا الحلول المناسبة لحل الأزمة وتقديمها كحل سلمي يضمن حقوق الفلسطينيين على أرضهم.