ساهم الإعلام الجديد في تكوين جبهة بشرية عالمية مؤيدة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة واستنكار شديد لسياسة الغطرسة والاستيطان الإسرائيلية والعمليات الوحشية وهو تطور سياسي وإعلامي دولي غير مسبوق تاريخياً ضد إسرائيل.
لعبت سلطة الإعلام الجديد في المجتمع الغربي تحديداً دوراً بارزاً ومهماً للغاية في قلب معادلات إعلامية غربية تقليدية و"حمساوية" حديثة لصالح القضية الفلسطينية وإعادة توجيه أنظار المجتمع الدولي إلى أصل الصراع العربي الإسرائيلي وليس معركة "حماس" وإسرائيل.
في البداية، وضع الإعلام الغربي عملية أكتوبر في قالب المعركة بين "حماس"، الجناح الفلسطيني للإخوان المسلمين، وإسرائيل خارج إطار الصورة الحقيقية للنزاع في الشرق الأوسط وابتهجت "حماس" بوهم عنوان جديد للقضية الفلسطينية، "حماس" وإسرائيل، وهو خطأ سياسي وإعلامي استراتيجي.
لم يكن حصر الإعلام الغربي لعملية "حماس" العسكرية مع إسرائيل عبثياً وعفوياً، فقد لعبت ضخامة وكثافة التحفظات الدولية والعربية أيضاً على حركة "حماس" باعتبارها فصيل سياسيي وعسكري فلسطيني خاضع لهيمنة إيرانية، دون شك، في تغذية الصورة الإعلامية الجديدة لمعركة "حماس" مع إسرائيل وليس واقع الصراع العربي مع إسرائيل!
وجدت حركة "حماس" وأبواقها واتباعها وادواتها الإعلامية التقليدية والحديثة ما يحفزها في الانجراف نحو عنوان جديد للقضية الفلسطينية في الإعلام الغربي بغية فرض "حماس" نفسها على الساحة الدولية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني بديلا عن منظمة التحرير لتصفية خلافات وصراعات فلسطينية-فلسطينية!
إعلامياً، لم تهدأ الخلافات والصراعات الفلسطينية-الفلسطينية بين حركة "حماس" ومنظمة التحرير حتى بعد تطورات عملية أكتوبر، فالسباق السياسي نحو الساحة الدولية كان واضحاً للطرفين الفلسطينيين وتعامل منظمة التحرير مع الحدث بنفس مستوى الخطأ الفادح لحركة "حماس"!
المشهد الفلسطيني لم يتغير في انحرافاته داخل منظمة التحرير وخارجها وحركة "حماس" وتحالفاتها أيضاً، فالتركيز طغى على تغذية أفراح "حماس" السياسية حتى الطارئة والمتسرعة وتقييم العمل من زاوية المكاسب الضيقة. لم تعر "حماس" اهتماماً لحجم أحزان الإعلام الجديد في العالم، المهنية والعشوائية، والدور الواعد في تعبئة الرأي العالمي ضد إسرائيل على عكس الاحتفاء بأفراح متسرعة وخلافات فلسطينية!
أحزان الإعلام الجديد في العالم الغربي، بالتأكيد، لعبت دوراً في تكوين جبهة غضب إنسانية عالمية ضد إسرائيل وقوة ضاغطة في المجتمع الدولي لصالح الفلسطينيين ولكن الأفراح بالمكاسب السياسية والعسكرية لدى "حماس" طغت على الحسابات والمكاسب الإعلامية.
المشهد الإعلامي لحركة "حماس" وجماهيرها، الإخوان المسلمين، لا ينبغي النظر إليه بمعزل عن المشهد الفلسطيني العام للخلافات الداخلية والصورة الإعلامية للصراعات الفلسطينية التي لم تزل تطغي بظلالها وانعكاساتها على قضية عربية مشروعة.
ثمة علاقة سببية بين عثرات وأخطاء وانتهازية لفصائل المقاومة الفلسطينية كحركتي "فتح" و"حماس" تعيد إلى الأذهان موقف رئيس منظمة التحرير باسر عرفات من الغزو العراقي للكويت دون استغلال واستثمار فلسطيني للتطور الإيجابي اللافت للإعلام الجديد في العالم لصالح القضية!
الإعلام الجديد صنع فرص جديدة للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية وفرض صورة جديدة في الإعلام الغربي للحق الفلسطيني المشروع وما زال أمام حركة "حماس" فرصة تقييم الخروج من المشهد الراهن بأقل الخسائر الإعلامية.
اغتال ياسر عرفات القضية الفلسطينية في العام 1990 سياسياً وإعلامياً في موقف لا يمكن نكرانه وعلى "حماس" عدم تكرار الاغتيال الإعلامي للقضية الفلسطينية مجدداً والتوقف عن عدم استثمار فرص الإعلام الجديد، فالقضية لا تحتمل المزيد من الاغتيالات والهزائم الإعلامية.
استثمار "حماس" سلاح الإعلام الجديد لصالح صناعة دعم دولي جديد للقضية الفلسطينية خير من المغامرة في القضية والمراهنة على ظروف وتطورات دولية وإقليمية معقدة قد تقود إلى خسارة إعلامية لقضية إنسانية مشروعة.
الأخطاء الفلسطينية كثيرة في منظمة التحرير وخارجها وحركة "حماس" أيضاً ليست أقل بالأخطاء وإعادة دراسة الاخطاء السابقة من أجل خلق شاركه حقيقية وحميمة مع سلطة الإعلام الجديد لتحقيق انتصار إعلامي فلسطيني لصالح القضية المشروعة.