بحسب بيانات رسمية، فقد تجاوز عدد ضحايا الفيضانات التي تعرضت لها مدينة درنة الليبية 11 ألف شخص، ناهيك عن أكثر من 10 آلاف في عداد المفقودين، ويخشى أن يكونوا قد لقوا حتفهم في هذه الكارثة، وتقدر الأمم المتحدة أن ما يقرب من 900 ألف شخص قد يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة في درنة تسبب إنهيار سدان بعد هطول أمطار غزيرة وصلت إلى حد الإعصار في مفاقمة آثار الكارثة، حيث تسبب إعصار دانيال في غرق أحياء كاملة بسكانها.
الحكومتان المتنافستان في ليبيا لم تظهرا موقفًا قويًا يوازي حجم الكارثة التي تعرض لها الشعب الليبي، بل إن التقارير تشير إلى أن جهود الاغاثة قد تعرضت للعرقلة بسبب الخلافات السياسية! فحكومة شرق ليبيا التي يترأسها الدبيبة، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها قبل أسابيع قلائل بسبب لقاء بين وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي في ايطاليا، وهو لقاء تم على الأرجح بحسب ما هو متداول من معلومات وتقارير موثوقة بعلم رئيس الوزراء، لم يسمع لها صوتًا خلال كارثة درنة، سوى أنها شكّلت لجنة للتحقيق وتقصى أسباب عدم صيانة السدود وسرقة المضخات والمعدات منها طيلة السنوات الماضية رغم أن هناك تقرير لديوان المحاسبة تم نشره، بحسب المصادر الليبية، مطلع عام 2022 يشير إلى أن ميزانيات صيانة السدود ومنها سد درنة، تم تخصيصها وصرفها من عام 2007 دون أن يتم إنجاز الغرض منها!
المسألة هذه المرة أكبر من ليبيا وانقساماتها وحكوماتها المتصارعة على السلطة، فكارثة درنة هي تذكير بتأثر الأرض بتغيّر المناخ كما قال مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية، مشيرًا إلى أن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا على مدى العقد الماضي، قد أسهم في التأثير المدمر للفيضانات حيث كان هناك نحو 300 ألف شخص يحتاجون بالفعل للمساعدة قبل انهيار السدود في درنة.
الأمم المتحدة أطلقت نداء عاجلاً لجمع نحو 71 مليون دولار للاستجابة لاحتياجات المتضررين من الفيضانات في ليبيا، وهو رقم لا يستعصى على ميزانية حكومة في دولة غنية مثل ليبيا، ولكن الخلافات والصراعات وضعت هذا الشعب العربي تحت رحمة حكومتين متصارعتين فشلتا حتى في توفير الأموال المطلوبة لاغاثة ضحايا كارثة الفيضان!
آثار الأزمة لم تتوقف عند ما سبق، بل إن الأمم المتحدة نفسها قد حذّرت من الاستمرار في دفن ضحايا الفيضانات في مقابر جماعية، وحثت السلطات الليبية على التوقف عن ذلك بعد أن تم دفن أكثر من 1000 جثة في مقابر جماعية، بحسب الأمم المتحدة، التي ترى أن الدفن المتسرع يمكن أن يتسبب في معاناة نفسية طويلة الأمد لأفراد عائلات الضحايا.
المؤكد في الأمر أن امكانيات وقدرات الحكومة الليبية سواء في الشرق أو الغرب على المستوى الإداري والتنظيمي واللوجيستي ضعيفة للغاية لأنهما مشغولتان بالصراع العسكري والاستيلاء على كامل الأراضي الليبية!
وهذا مايفسر حتى التضارب الشديد في البيانات الرسمية الصادرة عن ضحايا الكارثة، الذين قدّرتهم بعض المؤسسات بـ6 آلاف بينما قدرهم عمدة درنة بنحو عشرين ألف ويقدرهم الهلال الأحمر بنحو 11 ألفاً، بينما يرفض مسؤولو الصليب الأحمر الدولي إعطاء أي تقديرات للضحايا في الوقت الراهن.
مفهوم نسبيًا أن تحدث ارتباكات حكومية في مواجهة كارثة كبرى جراء فيضانات أو اعاصير، ومفهوم أيضًا تأثير التغير المناخي في الكارثة، ولكن هذا كله لا ينفي مسؤولية الصراع على السلطة في إنتشار الفساد والإهمال رغم وجود تقارير رسمية إلى حجم الفساد الذي وصل إلى حد إهمال صيانة السدود بسبب غياب الرقابة والمتابعة في انفاق المخصصات المالية الموجهة لهذه الأغراض الحيوية، والأخطر هو عدم تقدير الحكومة لعواقب هذا الإهمال وتفرغها لاثارة صخب وضجيج سياسي وإعلامي حول قضايا قد لا يكون لها تأثير مباشر على حياة الشعب الليبي، فضلاً عن التركيز الشديد على بناء الولاءات والتحالفات الداخلية والخارجية التي تضمن لهؤلاء البقاء في السلطة ولو حتى على جثث عشرات الآلاف من أبناء شعبهم.
الشجاعة وأمانة المسؤولية تقتضي الاعتراف بالمسؤولية عما حدث من تقصير ولو في أداء المسؤوليات الاعتيادية للحكومة الليبية وتحمل نتائج هذا التقصير بما يقتضيه الأمر وفقًا للأعراف السياسية المتعارف عليها، كما أن عودة الدولة الليبية لم تعد مطلبًا سياسيًا ملحًا، بل باتت طوق الانقاذ الأوحد للشعب الذي يدفع من حياة أبنائه ثمن الإنقسام والصراع على السلطة بين شرق البلاد وغربها.