: آخر تحديث
"تل أبيب لا تقتل المسلحين.. إنها تنتجهم"

فورين أفيرز: العقاب الجماعي لسكان غزة لن يعزز أمن إسرائيل

35
39
36

إيلاف من بيروت: منذ 7 أكتوبر الماضي، غزت إسرائيل شمال غزة بنحو 40 ألف جندي جندي وقصفت القطاع بواحدة من أعنف حملات القصف في التاريخ. نتيجة لذلك، فر ما يقرب من مليوني شخص من منازلهم. وسقط أكثر من 15 ألف مدني (بينهم 6000 طفل و5000 امرأة) وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة، كما أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك. قصفت إسرائيل المستشفيات وسيارات الإسعاف ودمرت نحو نصف المباني في شمال غزة، ما أدى إلى قطع كافة إمدادات المياه والغذاء وتوليد الكهرباء تقريباً عن سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة. 

غياب الكفاءة العسكرية

بعد هذا التوصيف، يقول روبرت أ. باب في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية: "بأي تعريف، تعد هذه الحملة من أضخم أعمال العقاب الجماعي ضد المدنيين على الإطلاق".

حتى الآن، وبينما تتوغل القوات الإسرائيلية بشكل أعمق في جنوب غزة، الهدف الدقيق للنهج الإسرائيلي لا يزال غير واضح. ورغم أن زعماء إسرائيل يزعمون أنهم يستهدفون حماس وحدها، فإن الافتقار الواضح للتمييز يثير تساؤلات حقيقية حول ما تنوي الحكومة الإسرائيلية فعله. 

يسأل باب: "هل حرص إسرائيل على تدمير غزة هو نتاج لعدم الكفاءة نفسه الذي أدى إلى الفشل الذريع للجيش الإسرائيلي في التصدي لهجوم حماس في 7 أكتوبر، والذي انتهت خططه إلى أيدي مسؤولي الجيش والاستخبارات الإسرائيليين قبل أكثر من عام؟ هل يكون تدمير شمال غزة، والآن جنوبها، مقدمة لإرسال كامل سكان القطاع إلى مصر، كما اقترحت "ورقة المفاهيم" التي أصدرتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية؟".

بحسبه، أياً كان الهدف النهائي، فالتدمير الجماعي الذي تلحقه إسرائيل بقطاع غزة يثير مشكلات أخلاقية عميقة، والنهج الذي تتبعه إسرائيل محكوم بالفشل. فالعقوبات المدنية الجماعية لم تقنع سكان غزة بالتوقف عن دعم حماس، إنما أدى ذلك إلى تفاقم الاستياء بين الفلسطينيين. كما أن الحملة لم تنجح في تفكيك الجماعة الإسلامية، وما يزيد على ستين يوماً من الحرب يثبت أنه رغم أن إسرائيل قادرة على تدمير غزة، فإنها لا تستطيع تدمير حماس. يضيف باب: "في الواقع، ربما تكون الجماعة أقوى الآن مما كانت عليه من قبل".

إنها تنتج مسلحين ولا تقتلهم

يرى باب أنه لم يحدث في التاريخ أن تسببت حملة قصف في قيام السكان المستهدفين بالثورة ضد حكومتهم. والحرب في أوكرانيا أحدث مثال على ذلك. فعلى مدار عامين، سعت روسيا إلى تدمير أوكرانيا بهجمات جوية مدمرة على مدنها، لكن ذلك لم يقنع الأوكرانيين بالتراجع، إنما جثهم على محاربة روسيا بشكل أكثر حدة. يقول باب: "هذا النمط التاريخي يكرر نفسه في غزة. وعلى الرغم من ما يقرب من شهرين من العمليات العسكرية المكثفة، فإسرائيل لم تحقق إلا نتائج هامشية. الحملة لم تؤد إلى هزيمة حماس ولو جزئياً. أدت العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية إلى مقتل نحو 5000 من مقاتلي حماس (وفقاً لمسؤولين إسرائيليين) من إجمالي 30000 مقاتل. لكن هذه الخسائر لن تقلل من التهديد الذي يواجهه المدنيون الإسرائيليون، فكما أثبتت هجمات 7 أكتوبر، لا يتطلب الأمر سوى مئات قليلة من مقاتلي حماس لإلحاق الدمار بالمجتمعات الإسرائيلية. والأسوأ من ذلك أن المسؤولين الإسرائيليين يعترفون أيضاً بأن الحملة العسكرية تقتل عدداً من المدنيين يبلغ ضعف عدد قتلى مقاتلي حماس. بعبارة أخرى، يكاد يكون من المؤكد أن إسرائيل تنتج من الإرهابيين أكثر مما تقتلهم، حيث أن كل مدني ميت سيكون لديه عائلة وأصدقاء حريصون على الانضمام إلى حماس للانتقام".

بحسب باب في "فورين أفيرز"، البنية التحتية العسكرية لحماس لم تتفكك، حتى بعد العمليات التي تم التبجح بها ضد مستشفى الشفاء، والذي زعم الجيش الإسرائيلي أن حماس تستخدمه كقاعدة عملياتية. وكما تظهر مقاطع الفيديو التي نشرها الجيش الإسرائيلي، استولت إسرائيل على مداخل العديد من أنفاق حماس ودمرتها، لكن يمكن إصلاحها في النهاية، تمامًا كما تم بناؤها في المقام الأول. والأهم من ذلك، يبدو أن قادة حماس ومقاتليها تركوا هذه الأنفاق قبل أن تدخلها القوات الإسرائيلية، ما يعني أن البنية التحتية الأكثر أهمية للجماعة – أي المقاتلين – نجت من الدمار. إلى ذلك، تتمتع حماس بميزة متفوقة: تستطيع التخلي عن القتال، والاندماج في صفوف المدنيين، والانتظار للقتال مرة أخرى بشروط أفضل. لهذا السبب، يرى باب أن أي عملية برية إسرائيلية واسعة النطاق محكوم عليها بالفشل.

كذلك، تواصل حماس إنتاج مقاطع فيديو دعائية تظهر الفظائع المدنية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية والمعارك ضارية بين حماس والقوات الإسرائيلية. وفقاً لإحصائيات مشروع جامعة شيكاغو حول الأمن والتهديدات الذي يديره باب نفسه، "وزعت كتائب القسام ما يقرب من 200 مقطع فيديو وملصق كل أسبوع بين 11 أكتوبر و22 نوفمبر عبر القناة الخاصة بحماس على منصة تيليغرام. يقول باب: "أدلة المسح تظهر إلى أي مدى تنتج العمليات العسكرية الإسرائيلية الآن إرهابيين يفوق عددهم الذين يقتلونهم. وفي استطلاع للرأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 14 نوفمبر بين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، قال 76 في المئة من المشاركين إنهم ينظرون إلى حماس بشكل إيجابي. قارن ذلك بنسبة 27 في المئة من المشاركين في المنطقتين الذين قالوا لمستطلعي آراء مختلفين في سبتمبر إن حماس هي الأكثر استحقاقاً لتمثيل الشعب الفلسطيني. وهذا يعني أن قسماً كبيراً من الفلسطينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً أصبحوا الآن مجندين جاهزين للانضمام إلى حماس أو غيرها من الجماعات الفلسطينية التي تسعى إلى استهداف إسرائيل".

حل الدولتين.. هو الحل

يتطرق باب في مقالته إلى مشكلة المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة. يقول: "يشكل نمو اليهود في الأراضي الفلسطينية عاملا رئيسيا في إثارة الصراع. في السنوات التي تلت الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967 مباشرة، لم يتجاوز العدد الإجمالي لليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة بضعة آلاف. وكانت العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية متناغمة في معظمها. ولم تقع أية هجمات انتحارية فلسطينية، وحدثت هجمات قليلة من أي نوع خلال هذه الفترة. لكن الأمور تغيرت بعد وصول الحكومة اليمينية بقيادة حزب الليكود إلى السلطة في عام 1977، ووعدت بتوسيع المستوطنات. فارتفع عدد المستوطنين من 4000 في في عام 1977 إلى 24000 في عام 1983 وإلى 116000 في عام 1993. وبحلول عام 2022، يعيش نحو 500000 يهودي في الأراضي الفلسطينية، باستثناء القدس الشرقية، حيث يقيم 230000 يهودي إضافي". ويضيف: "هذا النمو للمستوطنات اليهودية هو السبب الرئيسي وراء فقدان فكرة حل الدولتين صدقيتها منذ التسعينيات. فما الذي يجعل الفلسطينيين يرفضون حماس ويدعمون عملية السلام المفترضة إذا كان هذا لا يعني إلا خسارة المزيد من أراضيهم؟".

يرى باب أن حل الدولتين وحده هو ما سيؤدي إلى أمن دائم للإسرائيليين والفلسطينيين، ويقول:"أولئك الذين يشككون في إمكانية التوصل إلى حل الدولتين محقون في أن الاستئناف الفوري للمفاوضات مع الفلسطينيين لن يقلل من رغبة حماس في القتال. لسبب واحد، إنها مجموعة نمن يؤيدون فكرة القضاء على إسرائيل. من ناحية أخرى، فإنها ستكون واحدة من أكبر الخاسرين في حل الدولتين ، حيث يكاد يكون من المؤكد أن اتفاق السلام سيشمل حظر الجماعات الفلسطينية المسلحة باستثناء المنافس الداخلي الرئيسي لحماس، السلطة الفلسطينية، التي من المرجح أن تتمتع بدعم متجدد وقوة. الشرعية إذا حصلت على اتفاق تدعمه غالبية الفلسطينيين. وحتى لو تم التوصل إلى حل الدولتين، فإن إسرائيل سوف تظل في حاجة إلى قدرة دفاعية قوية، حيث لا يوجد حل سياسي قادر على القضاء بشكل كامل على تهديد الإرهاب لسنوات قادمة".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها روبرت باب ونشرتها مجلة "فورين أفيرز" الأميركية


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار