خلال الآونة الأخيرة، انخفضت أسعار الغاز في أوروبا والولايات المتحدة إلى أدنى مستوى لها منذ 2021، والأهم هو انخفاض سعر الغاز الأمريكي لأنه قد يؤدي إلى شح في العرض. في الأسابيع القليلة الماضية، انخفض السعر القياسي للغاز الأمريكي إلى أقل من ثلاثة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية لأول مرة منذ عامين تقريبا. تشير التوقعات إلى أنه سيظل دون هذا المستوى حتى منتصف العام على الأقل. لذلك يتعين على بعض منتجي الغاز في الولايات المتحدة الذين لم يقوموا بعمليات تحوط هذا العام أن يبيعوا غازهم بأسعار أقل من سعر التعادل. مع عدم وجود احتمال فوري لعكس هذا الاتجاه، العرض على وشك أن ينكمش. بالفعل، يؤدي انخفاض أسعار الغاز إلى إجبار المنتجين على تقليص خطط الإنتاج في الوقت الذي تبدأ فيه أوروبا التخطيط لموسم إعادة ملء مخزونات الغاز في الصيف المقبل عندما يتوقع ارتفاع الطلب.
في النصف الأول من 2022، ارتفع عدد منصات الحفر في تشكيلات الغاز الصخري الغنية 48 في المائة، لكن هذا الاتجاه الآن على وشك الانعكاس، حيث تحذر شركات الخدمات النفطية من أنها ستنقل معداتها من حقول الغاز. في هذا الجانب، حذر تقرير لـ"رويترز" نقلا عن مصادر الصناعة، من أن انخفاض السعر القياسي للغاز الأمريكي من أكثر من تسعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في آب (أغسطس) من العام الماضي إلى أقل من 2.5 دولار سيؤثر في أرباح الشركات في الربع الأول. كما سيؤثر في خطط الحفر الخاصة بهم، لأن معظمهم لم يقوموا بعمليات تحوط لإنتاجهم المستقبلي.
كانت الزيادة في عدد منصات الحفر العام الماضي مفهومة تماما، حيث فتحت آفاق تصدير جديدة للغاز المسال إلى أوروبا، وانتهى الأمر بمتوسط سعر الغاز الأمريكي عند نحو 5.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وكان هذا أعلى سعر للغاز منذ أكثر من عشرة أعوام، حسب "رويترز". بالطبع رفع ذلك عدد منصات الحفر العاملة.
لكن الشتاء الدافئ الذي وفر لأوروبا راحة كانت في أمس الحاجة إليها قد غير الأمور. مع امتلاء مواقع التخزين إلى أقصى حد والطلب أقل من المتوسط الموسمي، توقفت أوروبا عن استيراد كثير من الغاز المسال الأمريكي. كان الشتاء في الولايات المتحدة، في الغالب، دافئا، ما أدى إلى انخفاض الطلب المحلي أيضا. وبالتالي انخفضت الأسعار، لكن هذا قد يسبب مشكلات في العرض في المستقبل.
في أوروبا، لا تزال أسعار الغاز متقلبة للغاية وأعلى بكثير مما كانت عليه قبل 2022. في وقت مبكر من هذا الشهر، بعد ركود كبير، قفزت هذه الأسعار مرة أخرى على خلفية توقعات بموجة برد في معظم أنحاء القارة، لكنها عادت إلى التراجع نهاية الأسبوع الماضي دون 50 يورو "53 دولارا" لكل ميجاواط/ساعة لأول مرة منذ آب (أغسطس) 2021. في آسيا، هناك علامات على انتعاش الطلب، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض الأسعار. ومع عودة الصين إلى وضعها الطبيعي بعد سلسلة من عمليات الإغلاق في العام الماضي، من المتوقع أن يزداد هذا الطلب أكثر. ومع ذلك، قد لا يكون ذلك كافيا لدفع الأسعار إلى ما كانت عليه العام الماضي لأن الطلب من أوروبا قد يظل ضعيفا.
تنهي أوروبا في فصل الشتاء بمخزون من الغاز أكبر مما لديها عادة في هذا الوقت من العام. هذه هي نتيجة حسن حظ أوروبا فيما يتعلق بالطقس من تشرين الثاني (نوفمبر) إلى كانون الثاني (يناير). وهذا يعني أنها ستحتاج إلى شراء كميات أقل من الغاز لتجديد المخزون في الربيع والصيف. ووفقا لـ"مورجان ستانلي"، مستويات تخزين الغاز الأعلى من المعتاد في أوروبا تعني أن مخاطر فجوة العرض في الشتاء المقبل أقل بكثير مما كان متوقعا في السابق. وتوقع البنك، أن تقل إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا هذا الصيف بمقدار 18 مليار متر مكعب عما كانت عليه العام الماضي، وستحصل الدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي على 29 مليار متر مكعب من الغاز الروسي بحلول نهاية آذار (مارس). يبدو أن الأرقام تستند إلى صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا بعد انقطاع التدفق وتخريب خط نورد ستريم.
ومع ذلك، فإن كل هذا يعني أن أسعار الغاز في الولايات المتحدة ستظل منخفضة لفترة أطول، وإذا ظلت الأسعار منخفضة، فسيظل الإنتاج كذلك. لكن، إذا لم يحالف الحظ أوروبا مثل العام الماضي، فقد ترتفع الأسعار مرة أخرى لأنه حتى أكبر منتجي الغاز في الولايات المتحدة لا يمكنهم الاستجابة للتغير الحاد في الطلب على الغاز في غضون فترة وجيزة.
تتم بالفعل مراجعة التوقعات حول إنتاج الغاز في الولايات المتحدة بشكل كبير. وتتوقع بعض المصادر نموا قدره 1.7 مليار قدم مكعبة يوميا هذا العام، انخفاضا من ثلاثة مليارات قدم مكعبة في 2022. في حين، تتوقع إدارة معلومات الطاقة انخفاضا في سعر الغاز الأمريكي هذا العام، ما يشير أيضا إلى انخفاض الإنتاج. ومع ذلك، تتوقع الإدارة أيضا زيادة صادرات الغاز المسال الأمريكية هذا العام 11 في المائة. ربما يتوقف ذلك على الطلب القوي من أوروبا.
في غضون ذلك، يبدو أن التجار يتوقعون تشدد سوق الغاز. وفقا لـ"رويترز"، يتم تداول العقود الآجلة للغاز الأمريكي تسليم أوائل 2024 بأكثر من أربعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. يمكن أن يتغير هذا بالطبع على مدار العام، لكنه يشير إلى أن البعض في السوق يستعدون للاستفادة من إمكانية تشدد إمدادات الغاز قبل فترة طويلة. لكن، قد تكون إمكانية الاتجاه الصعودي محدودة. حيث أشارت إدارة معلومات الطاقة إلى أنها تتوقع انخفاض الطلب المحلي على الغاز من القطاع الصناعي بسبب ضعف النشاط، وهو في حد ذاته نتيجة للتضخم الكبير.
في أوروبا الصورة أكثر قتامة، حيث دفعت أسعار الغاز الباهظة العام الماضي عديدا من الشركات إلى كبح النشاط وتقليص حجمها. وهذا يعني أنه لن يكون هناك تكرار لوضع أسعار الغاز مشابه للعام الماضي الذي شجع مستثمري الغاز المسال على المضي قدما في خطط توسع جديدة. من المرجح أن يؤدي انخفاض الأسعار وضعف الطلب على الغاز حاليا إلى الإضرار بالإنتاج، ما قد يتسبب في حدوث مشكلة في العرض في المستقبل عندما يبدأ الطلب في الارتفاع.