واشنطن: تباطأ التضخّم في الولايات المتحدة في كانون الأول/ديسمبر مسجّلا أدنى مستوى شهري له منذ أكثر من عام، وفق ما أظهرت بيانات حكومية الخميس، ما يشير إلى احتمال انتهاء أسوأ ارتفاع للأسعار.
وواجهت الأسر الأميركية العام الماضي مستويات تضخّم هي الأعلى منذ عقود، ما دفع بالاحتياطي الفدرالي (المصرف المركزي الأميركي) إلى رفع معدّلات الفائدة بوتيرة غير مسبوقة منذ ثمانينات القرن الماضي سعيا إلى تخفيف الأعباء عن أكبر اقتصاد في العالم.
وهذا التباطؤ يحصل للشهر السادس على التوالي بالتوازي مع نهج متشدد للاحتياطي الفدرالي، ويحيي الآمال في فرملة الارتفاع الحاد لأسعار الفائدة.
وقالت وزارة العمل إن مؤشر الأسعار الاستهلاكية ارتفع بنسبة 6,5 % في كانون الأول/ديسمبر مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهي أدنى زيادة في الأسعار منذ تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وسجّل المؤشر تراجعا بعدما ارتفع إلى 7,1 % بمعدل سنوي في تشرين الثاني/نوفمبر.
وجاء في بيان وزارة العمل أن "مؤشر البنزين كان العامل الأكبر الذي ساهم في انخفاض أسعار السلع هذا الشهر".
وأشارت الوزارة إلى أن الإيجارات المرتفعة لا تزال تشكل عاملا يزيد تكاليف المستهلك.
وبين تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر، تراجع مؤشر الأسعار الاستهلاكية 0,1 في المئة.
والخميس قال الرئيس الأميركي جو بايدن "من الواضح أنّنا نسير في الاتجاه الصحيح"، مشدّداً في الوقت نفسه على أنّ كبح التضخّم يحتاج إلى بذل مزيد من الجهود.
وأكّد بايدن أنّ تراجع التضخم يمنح "العمال والأسر الأميركية متنفّسا أكبر".
وقال مات كوليار الخبير الاقتصادي في "موديز أناليتيكس" لوكالة فرانس برس إنّ "الاتجاه مشجّع"، مشيراً إلى أنّ الأرقام تراجعت عن الذروة الأخيرة.
وأشارت روبيلا فاروقي من مجموعة "هاي فريكوينسي إكونوميكس" إلى أن تباطؤ التضخم من شأنه أن يدفع باتّجاه إبطاء وتيرة رفع معدّلات الفائدة في الاجتماع المقبل لمجلس حكام الاحتياطي الفدرالي في شباط/فبراير.
لكنّ فاروقي حذّرت من أنّ "معدلات التغيير تبقى أعلى بكثير من المستويات التي يرتاح لها مسؤولو الاحتياطي الفدرالي".
وارتفع تضخم الأسعار الاستهلاكية في الولايات المتحدة بسرعة إلى 9,1 في المئة في حزيران/يونيو الماضي، وهو الأعلى في 40 عاما، فيما أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع تكاليف الأغذية والطاقة في العالم.
ورغم تباطؤ الوتيرة، تبقى نسبة التضخم بعيدة عن هدف الاحتياطي الفدرالي المحدد عند 2 في المئة.
وانخفضت أسعار الوقود، وهي مؤشر رئيسي للمستهلكين في الولايات المتحدة، الشهر الماضي بسبب تراجع الطلب العالمي وانخفاض أسعار النفط.
لكنّ أسعار الوقود تشهد تقلّباً ما يعني بحسب المحلل في مركز "أوكسفورد إيكونوميكس" راين سويت أنّ "الاحتياطي الفدرالي لا يمكنه الاعتماد على هذا الأمر باعتباره مصدرا ثابتا لخفض التضخم".
وفيما ارتفع مؤشر أسعار الغذاء على أساس شهري، تباطأت وتيرته أيضا.
لكنّ السلع التي ارتفعت في كانون الأول/ديسمبر تشمل المساكن والأثاث المنزلي والتأمين على المركبات.
وقال كوليار إنه رغم انخفاض أسعار وقود السيارات، لا يمكن لصناع السياسة الاعتماد على هذا الأمر وحده على المدى الطويل.
وإذا ما استثنينا قطاعي الأغذية والطاقة، تكون "نواة" مؤشر الأسعار الاستهلاكية قد ارتفعت 0,3 بالمئة مقارنة بالشهر السابق، تماشيا مع التوقعات.
ويعكس هذا الأمر ارتفاعا طفيفا مقارنة بنسبة 0,2 بالمئة المسجلة في تشرين الثاني/نوفمبر، ما يعني أن معركة خفض الأسعار لم تنته بعد.
في تصريح لفرانس برس قال سويت إن الضخم في قطاع الخدمات "مقلق"، وسط توقّعات باستمرار ارتفاع الإيجارات في النصف الأول من العام.
وأشار سويت إلى السؤال المطروح هو هل سيكون خفض تضخم السلع كافيا لتغطية تضخم قطاع الخدمات.
وفي الوقت الحالي، يراقب الاحتياطي الفدرالي عن كثب سوق العمل ووتيرة ارتفاع الأجور، إذ قد تؤدي الأجور التي ترتفع بسرعة إلى زيادة مستمرة في تكاليف الخدمات.
وحذّر رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول الثلاثاء من أن "استعادة استقرار الأسعار عندما يكون التضخم مرتفعا قد يتطلّب إجراءات غير مستحبّة على المدى القصير فيما نرفع أسعار الفائدة لإبطاء الاقتصاد".
وتهدف تحركات الاحتياطي الفدرالي إلى زيادة تكاليف الاقتراض وخفض الطلب من خلال زيادة كلفة الحصول على الأموال للقيام بعمليات شراء كبيرة (منازل أو سيارات...) أو لتوسيع أعمال تجارية.
وفي بيان منفصل هذا الأسبوع قالت عضو مجلس حكام الاحتياطي الفدرالي ميشيل بومان إنّه على الرغم من تراجع المؤشرات "ما زال يتعين علينا بذل مزيد من الجهود".