إيلاف من أصيلة: وقّع الوزير والسفير المغربي السابق محمد سعد العلمي، أخيرا، في مدينة أصيلة، مجموعته القصصية، التي أصدرها تحت عنوان "الحلم في بطن الحوت"، وذلك ضمن فعاليات موسمها الثقافي الدولي السادس والأربعين، في دورته الخريفية.
وتميز الحفل، الذي احتضنه رواق محمد بن عيسى للفنون الجميلة في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، بحضور نوعي ضم على الخصوص عدداً من المثقفين والإعلاميين والفنانين.
محمد سعد العلمي يوقع مجموعته القصصية
وصدر الكتاب، أخيرا، عن دار الأمان في الرباط، ومهد له الناقد نجيب العوفي، بمقدمة تحدث فيها عن المسار الإبداعي للعلمي، قبل أن يتوسع في استعراض سياق كتابتها وما تحركه مضامينها من هموم رافقت مراحل من التاريخ المعاصر بالبلد.
ومما كتب العوفي: "تعرفنا على اسم محمد سعد العلمي منذ أواخر الستينيات وطلائع السبعينيات من القرن الماضي، كاتبا مبدعا وإعلاميا لامعا على أعمدة جريدة "العلم" العريقة ورئيسا لتحرير مجلة "الهدف" الهادفة، ومناضلا فاعلا في صفوف حزب الاستقلال في زمن ساخن الإيقاع، كانت فيه درجة حرارة الأحزاب السياسية في عنفوانها". وعلى ضفة الإبداع والإعلام، يضيف العوفي، تربصت بالعلمي السياسة و"اختطفته من الأدب فانغمر بكليته في معمعانها"؛ قبل أن يستدرك قائلا: "لكن هذا الإكراه القسري لم يصرف هواه مع الأدب ولم يفقد شوقه وحنينه إليه. إذ يبدو أن هاجس الأديب الساكن في جوانح وذاكرة الرجل، قد عاوده على حين بغتة بعد تطواف طويل في سواحل السياسة". وأضاف العوفي أن مبادرة العلمي لنشر أو إعادة نشر "هذه التراجيع القصصية"، لعلها "آية على هذا الحنين /النوستالجيا الدفين". وتساءل: "ترى ما هي هموم وأسئلة هذه الإضمامة من التراجيع القصصية؟"، قبل أن يقول: "إنها هموم وأسئلة المرحلة الساخنة – الملغومة التي عاشها وعاينها الكاتب في شرخ اليفاع والوهج، مرحلة السبعينيات والثمانينيات فصعدا مع الأيام".
نفحة صحفية
قال حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، في كلمة بالمناسبة، إن العلمي "شخصية فذة"، و"أحد القادة المتميزين في حزب الاستقلال، عمل في الصحافة والدبلوماسية وفي المجال التنفيذي"، مشيرا إلى أن "الجميل فيه هو انه رغم هذه الانشغالات والمهام التي مارسها ظل دائما يحن إلى الكتابة وعالم الصحافة إلى أن أصدر مجموعته القصصية التي كتبت في فترات متباينة".
جانب من حفل التوقيع ويبدو الشاعر والكاتب ووزير الثقافة السابق محمد الأشعري
ورأى البطيوي إن إصدار العلمي لهذا الكتاب ربما يكون مناسبة لكي يصدر مذكراته السياسية، حتى تكون شاهدة على تجربته، ومبلغة للجيل الجديد كيف كان المغرب وكيف عملت الشخصيات من امثاله في مجال السياسة، وكيف أن ما تحقق في المغرب من تطور وتقدم لم يأت من فراغ ".
وفاء للذاكرة
بدوره، قال شرف الدين ماجدولين إن العلمي "رجل نضال سياسي، قادم من حقل الصحافة"؛ مشيرا إلى أن "الصحافة في تاريخ المغرب لم تكن مجرد مهنة، بل كانت نضالا يعكس نبض المجتمع، وكان جزء من نضال الحركة الوطنية".
وأضاف ماجدولين أن العلمي "قادم من تقاليد الحركة الوطنية، التي كانت لها ثلاثة أركان: العمل السياسي والأدب والفكر الإسلامي". وهي ثلاثية، قال إنها "تجلت عند أغلب مناضلي الحركة الوطنية، من علال الفاسي إلى المكي الناصري، مرورا بعبد الهادي بوطالب وغيرهم من رجالات الحركة الوطنية". ولهذا، يضيف ماجدولين، فالتأليف والإنتاج في حقل الأدب وحفل الفكر الإسلامي، والكتابة عموما، "تفاوت منسوبهما بين رجالات الحركة الوطنية وبين رجالات الصحافة وبين رجالات العمل السياسي، الذين قدموا من معترك النضال السياسي".
وقال ماجدولين إن العلمي هو "وريث أمانة الحركة الوطنية، وكان في مراحل متعددة يعكس ذلك الإرث الذي فيه مزاوجة بين العمل السياسي والعمل الوطني". ولهذا فحين نتحدث عن الإصدار الجديد، فنحن "نتحدث عن مؤلف كتب على مراحل، ما بين ستينات القرن الماضي والسنوات الأخيرة من بدايات القرن الجاري".
ورأى ماجدولين أن الكتاب الجديد "يخفي أكثر مما يظهر، لأن وراءه ما وراءه من نصوص لم تنشر، تعكس لحظات تأمل في المسار السياسي للمغرب، وفي فضاءاته وفي فضاءات خارج المغرب، كما تعكس لحظات تأمل في شواغل وعواطف أخذت صاحبها لأن يعكسها في تلك النصوص الأدبية التي هي جزء من تقاليد موروثة من مرحلة معينة، هي مرحلة النهضة".
وشدد ماجدولين على أن فن القصة "فن صعب، قد لا نكاد نحصي عددا كبيرا من كتابها"، ذكر منهم عبد الجبار السحيمي وأحمد بوزفور وآخرين ممن ظلوا أوفياء لهذا الجنس دون أن ينتقلوا إلى فنون أخرى، على غرار الرواية.
وقال ماجدولين إن كتاب العلمي "يمكن أن نقرأه بمنطق الانتماء إلى تقاليد الأدب، وليس إلى تقاليد السياسة حتى لا نظلم هذا الكتاب، رغم أنه قد يقرأه أغلب المغاربة باعتباره كتابا كتبه رجل نضال سياسي وأحد الذين عاصروا مراحل من تاريخ المغرب".
ورأى ماجدولين أن جمع العلمي لنصوص مجموعته القصصية فيه "وفاء للذاكرة ولتقاليد رجالات العمل الوطني والصحافة ممن كان هاجسهم الأدب والكتابة الأدبية".
جانب من الجمهور الحاضر لحفل التوقيع
بعد تردد
قال العلمي إنه حين كتب مجموعته القصصية لم تكن غايته نشرها، كما لم يخطر في ذهنه أنها ستكون في مجموعة يصدرها تحت أي عنوان. وأضاف أن "الأدب كان يأتي في لحظات معنية ليسحب الستار عن المشاغل الأخرى التي كانت تأخذ كل وقته وكل جهده".
وأوضح العلمي أنه حين عاد إلى أوراقه التي كتبها في أوقات سابقة وجد أن هناك نصوصا متعددة يمكن أن تجمع في كتاب؛ مشيرا إلى أنه تردد كثيرا لأن النصوص كتبت في فترات مختلفة، ولذلك دعا المتلقي إلى "استحضار التاريخ التي كتبت فيه، وأن ينظر إلى الكتاب بما يستحق من عطف ومحبة".
سيرة غنية
العلمي، هو من مواليد 10 أبريل 1948 بمدينة شفشاون (شمال المغرب). حصل على الإجازة في الحقوق (شعبة القانون العام) من كلية الحقوق بالرباط (1967)، وعلى الدبلوم العالي في الصحافة من المعهد القومي للصحافة بالقاهرة (1969)، وعلى شهادة الدراسات العليا في علم السياسة من كلية الحقوق بالرباط (1976)، وعلى شهادة الدراسات العليا في العلاقات الدولية من كلية الحقوق بالرباط (1978).
واضطلع العلمي، منذ شبابه الباكر، بعدة مهام قيادية في منظمات الشباب، وخاصة في الشبيبة المدرسية والشبيبة الاستقلالية والاتحاد العام لطلبة المغرب. وانتخب في المؤتمر الثامن لحزب الاستقلال (1967) عضوا بالمجلس الوطني للحزب، وانتخب بعد ذلك عضوا باللجنة المركزية (1970)، ومنذ المؤتمر العاشر (1978)، تم انتخابه عضوا باللجنة التنفيذية، وهي أعلى هيئة قيادية في الحزب، وجدد هذا الانتخاب في المؤتمرات الموالية. كما عمل إلى جانب الزعيم علال الفاسي مضطلعا بمهمة كتابته الخاصة ابتداء من سنة 1969 إلى سنة 1974.
مارس العلمي الكتابة والصحافة منذ أواخر الستينيات. وقد أسس وترأس تحرير مجلة "الهدف" سنة 1970. وهو عضو اتحاد كتاب المغرب. كما أنه من المؤسسين للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان سنة 1972، ونائب أمينها العام (1972 - 1980)، وأمينها العام بعد ذلك (1980 - 1986). وهو من المؤسسين لجمعية الحقوقيين المغاربة سنة 1973. كما شارك في المسيرة الخضراء (1975). وهو عضو بالبرلمان المغربي ما بين 1977 و2009. وانتخب رئيسا للجنة الشؤون الاجتماعية بمجلس النواب في أكتوبر1977، وجدد انتخابه للقيام بهذه المهمة خمس سنوات متوالية إلى 1982. كما انتخب بعد ذلك نائبا لرئيس مجلس النواب في السنة التشريعية 1982 – 1983، وجدد انتخابه لنفس هذه المهمة الأخيرة على امتداد الولايتين التشريعيتين 1984 – 1992، و1993 – 1997. وكان نائبا لرئيس مجلس الاتحاد البرلماني العربي في دورات متوالية،ما بين 1984 – 1992، ونائب رئيس الهيئة الاتحادية للاتحاد العربي الإفريقي بين المملكة المغربية والجماهيرية الليبية 1985 – 1986. فضلا عن رئاسته في فترات للمجلس البلدي لمدينة شفشاون، وللمجلس الإقليمي لإقليم شفشاون، وللمجلس الجهوي لجهة طنجة- تطوان، وللجمعية المغربية للمستشارين الجماعيين.
كما شارك في العشرات من المؤتمرات والمناظرات والملتقيات الوطنية والدولية، وترأس العديد من الوفود البرلمانية والسياسية إلى الخارج.
وفي نوفمبر 2002، عين العلمي وزيرا مكلفا العلاقات مع البرلمان في حكومة إدريس جطو، وتم تجديد تعيينه في أكتوبر2007 للاضطلاع بنفس المهمة في حكومة عباس الفاسي. وفي يناير 2010 عُين وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول مكلفا تحديث القطاعات العامة. وما بين 2013 و2016، تم تعينه سفيرا للمغرب لدى مصر.