كنتَ أنتَ...
لم تخنِ عيناي كما فعلتا من قبل كلما أرى شبيهاً لك.
رأيتك على الطاولة المقابلة لطاولتي، ممسكاً بالجريدة، تلتهمها عيناك بتلذذ كما كانتا تلتهمانني من قبل.
نظرت إليك فظننت أنه فرط شوقي إليك.
هممت بالقيام إليك وتلمسك لأتأكد أنك لست سراباً رسمه عطشي القاتل إليك.
أين كنتَ طوال تلك السنوات؟ هل هجرتَ العالم كله من أجلي؟ لمَ عدتَ؟
أواه! لقد أقسمت ألا أسمح لعيني برؤيتك فلم تسمح لي أن أبرَّ بقسمي، وأقسمت أن أكون لغيرك فخذلني سحر همساتك في الأيام الخالية. دعني أتأمل ذلك الوجه الأسمر الجذاب وتلك الملامح الفولاذية، وذلك الشعر الفاحم الذي كلله ندى المشيب الباكر.
دعني أنسى ما أحاط بي وأرتمي بين جفنيك لأستسلم لنشوة الغفوة بعد طول الأرق.
لمَ لمْ تشعر بي عندما دخلت؟
أنسيت نكهة أنفاسي كما نسيت تلك المشاعر التي انسلت من بين جوانحي لتسكنك؟
أحمد... كم اشتقت لارتشاف تلك الحروف من بين شفتيك.
أحبك...
تلك الترنيمة كانت حياتي وقاتلتي.
لم تدعني ألتذ بها، وأخرجتَ حبي من داخلك كما خرجت روحي عند فراقك.
كم اشتقت إليك سنوات وسنوات لأستمريء طعم نطقي لاسمك... أ...ح...م...د.
كم أحسد ذلك الفنجان لأن أصابعك حنَّت عليه واحتوته بينها فتذوق دفء جسدك. كم أغبط تلك الجريدة لأنها نجحت في اجتذابك بينما فشلت أنا في الحفاظ عليك.
دعني أناديك ليل نهار... أحمد... لكن رجاءً لا تدعني أبكِ، فقد ولى الآن زمن الحزن بعدما عانقتك بناظري.
أحمد...
اترك تلك الجريدة وارفع عينيك قليلاً لتراني، وإن خذلتك الذاكرة فنادني بحبيبتي... روحي... عمري... كما كنتَ تناديني، أما أنا فلن أنطق سوى بأحمد. كم صرخت باسمك في ظلام حياتي! كم عددت أنفاسي وأنا أستجديك.
كم همست إليك وصرخت باسمك، ولكن همساتي وكلماتي تحطمت على أضلعك المتحجرة فضلت طريقها إلى قلبك. كيف يمكن لذلك القلب الرقيق أن يُحاط بذلك الحائط الأقسى؟
هل تتذكر، وأنت تمد يدك لتحتضن الفنجان، تلك المرأة التي هجرت ذلك المساء؟
أم أنك اعتبرتني شبحاً من أشباح ماضيك؟
هل تعلم أنك نجحت في ذبح قلبي ولكنك فشلت في اقتلاع حبك منه؟
لا زلت أتذكر تلك الشفاه المكتنزة لتخبرني أنني لا أستحقك لأنني من عالم يختلف عن عالمك، وهممت بأن أصرخ متوسلة أن بإمكان عالم الحب أن يحتوينا، ولكن قسوتك أخرستني.
كنتَ تعرف دائماً ما يسعدك، أما أنا فأعرف فقط أنني أهواك.
كنت تعرف كيف تنجح علاقاتك بينما لم أعرف في حياتي سوى علاقات الخيبة والوجع.
مددتُ يدي لألتقط جريدتي وأحاول أن أنسى عينيك ـ ليلتها ـ وهي تختلس النظر إلى دموعي التي أطلقت عنانها، ولم يهتز منك عصب، وأدركت أخيراً أنك لم تحبني... وشعرت بذات البراكين تثور في صدري مرة ثانية بنفس درجة الحرارة.
كدت أفقد الوعي عندما رأيتك تتقدم نحوي في ثقة يملأ ذلك الشغف عينيك، وسألتني بثقة من يشعر أنه يمتلك من أمامه قائلاً:
"ذلك الوجه أعرفه، فهو لا يفارقني ليل نهار. هل تقطنين تلك المدينة يا جميلتي؟".
وردَّ حبك من أعماق أعماقي وأنا أتناول معطفي لأغادر قائلاً:
"سيدي، خانتك عيناك... إنني لا أسكن هذا العالم".