تقول صحيفة "لوموند" في عددها الصادر يوم السبت الموافق للثاني والعشرين من شهر يوليو-تموز من العام الحالي ان الرئيس ماكرون أصبح منذ فترة يستجيب لمطالب اليمين المتطرف تجنبًا لنزاع مفتوح معه. لذلك أقال وزير التعليم باب ندياي(Pap Ndiaye) رغم أن هذا الأخير سلك سياسة منسجمة تماما مع أفكاره وأهدافه الإصلاحية.
وكان تعيين باب ندياي على رأس وزارة التعليم قد أعاد الأمل لكل المهتمين بمجال التربية والتعليم إذ أنه مثقف من طراز رفيع. كما أنه أنجز أبحاثًا مهمة حول المهاجرين وحول حالات الاقصاء والتهميش التي يعاني منها شباب الضواحي. ثم أنه متشبث بالعلمانية، رافضًا أن تكون المدارس والجامعات ميادين للنزاعات الدينية والعقائدية التي برزت للوجود منذ الثمانينات من القرن الماضي. غير أن صحيفة "لوموند" لا تنكر أنه لم يكن ملمًا كما ينبغي بملفات التعليم وقضاياه المتشعبة والخطيرة. مع ذلك استطاع في ظرف أشهر قليلة أن يتجاوز بعض العراقيل والمصاعب ليكون قادرًا على معالجة الكثير من القضايا العالقة. إلاّ أن المستشارين والموظفين في الوزارة، المرتبطين بالوزير السابق جان-ميشال بلانكيه، والذين يتلقون الأوامر مباشرة من قصر "الإليزيه" جعلته محدود السلطة، وبالتالي شبه مقيّد لتظل إصلاحاته حبرًا على ورق.
إضافة إلى ذلك، حرص الوزير باب ندياي على أن يبتعد منذ البداية عن كل المنتمين في وزارته إلى اليمين المتطرف، متجنبًا اللقاء بهم والحديث معهم، لأنه يرفض أن تكون العلمانية وسيلة لتهميش واقصاء القادمين من ثقافات ومن ديانات أخرى. وهو يؤمن بالتعددية الثقافية لأنه قد تكون مفيدة للحدّ من غضب شباب الضواحي، وإطفاء حركاتهم التمردية التي تشتعل بين وقتٍ وآخر.
وكان من الطبيعي أن يثير موقفه هذا غضب اليمين المتطرف الذي يعتقد جازمًا أن شباب الضواحي أصبح دودة تنخر فرنسا من الداخل، وتفسد ثقافتها، وتسمّم هويتها. لذا لا بد من مواجهته بالعنف والقوة وكسر شكوته نهائيًا.
وتختم صحيفة "لوموندّ مقالها قائلة: "صحيح أن البتّ في مثل هذا الموضوع يمكن أن يكون سابقًا لأوانه.. إلاّ أنه من المحتمل أن ينظر المؤرخون إلى الفترة القصيرة التي أمضاها في وزارة التعليم كانت فرصة مُخْفقة لأنه كان بإمكانه أن يُجمع البلاد حول الرهانات التربوية الأساسية، وأن يطمئن المربين حول شرف مهنتهم، وأن يمنح إطارات التعليم الشعور بأنهم جديرون بالاحترام والتقدير في أداء عملهم، وأن يقنع التلاميذ بأن الأهداف الأساسية للتربية هي الحرية والتعاون. إلا أنه لم يفعل ذلك. واليمين المتطرف حصل على إقالته. وسوف يرى مؤرخو المستقبل أن هذه الإقالة تتضمن علامات تراجع تربوي لم يسبق له مثيل".