محمد سليمان العنقري
اسواق المال هي من أفضل قنوات التمويل لأي اقتصاد باحث عن معدلات نمو كبيرة حيث تتوفر للشركات فرصة كبيرة بزيادة أنشطتها عبر تمويلها من خلال هذه القناة الرئيسية والتي تعطي خيارات تمويلية عديدة، وأيضا تعتبر قناة تمويل للحكومات لتمويل مشاريعها وكذلك نفقاتها وتعتبر محركا رئيسيا للأموال المدخرة من الافراد والشركات، أيضاً فهي تعد من أهم بوابات الاستثمار لهم، ولذلك تعتبر أسواق المال ذات أهمية بالغة في الاقتصاد العالمي وتسعى الدول لجذب السيولة لها وتنويع الاستثمارات وزيادة عمقها عبر تنشيط كبير للاستثمار المؤسسي، ومعيارا مهما يقاس به حيوية أي اقتصاد.
وعلى صعيد التعامل معها، فإن المبدأ هو الاستثمار لفترات زمنية مناسبة لحركة نمو القطاعات والشركات والاقتصاد عموماً وتوصف اسواق المال بأنها « قائد الإقتصاد» لأنها تستبق النتائج او بمعنى آخر يمكن استشراف مستقبل الاقتصاد وقطاعات والشركات المدرجة مبكراً من خلال الحركة الاستباقية التي يقوم بها المستثمرون سواء كان الاتجاه سلباً او إيجاباً على المدى المتوسط والطويل، فما يحدث من تصحيح بالاسواق الامريكية على سبيل المثال توقعه كبار المستثمرين والمقصود الشركات المالية والصناديق العملاقة منذ العام 2023، وبدأوا بتخفيض حيازاتهم من الاسهم على مراحل امتدت لقرابة عام كامل وبمعزل عن الرسوم الجمركية التي كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فهي بنظرهم ليست اكثر من عذر لبداية التصحيح بالأسواق فانسحابهم التدريجي كان قبل انتخاب ترمب باكثر من عام، ولم يكن هناك اي اشارة لملف الحرب التجارية او حتى احتمال نجاح ترمب نفسه؛ لن انسحابهم كان بسبب التقييمات المرتفعة للسوق مع ارتفاع أسعار الفائدة وتوقف برنامج التيسر الكمي والبدء بتخفيضه اي كل العوامل الداعمة لارتفاع السوق اضافة للعامل الاهم وهو تباطؤ نمو الاقتصاد بسبب الاتجاه لمعالجة التضخم المرتفع فيه والذي عادة ما يتم بسياسات نقدية ومالية متشددة. فالاسواق يتطلب التعامل معها استراتيجية واضحة وثابتة لا تتغير وهو الخطأ الذي يقع فيه أغلب المتعاملين الافراد، حيث إنهم يتحولون من مستثمرين لمضاربين أو العكس بحسب حركة السوق اي يتأثرون عاطفياً بالحركة القصيرة الأجل والتي لا تعبر عن توجه السوق للمستقبل، فالاسواق أساس وجودها الاستثمار وتوظيف مدخرات المجتمع لمن يرغب الاستفادة منها، ولذلك عطاؤها الجيد والمجزي يكون على مدى سنوات عندما يتم اختيار التوقيت المناسب للاستثمار، وكذلك التمركز بالقطاعات والشركات الواعدة لكن ما يتسبب بخسارة الافراد بشكل عام هو ميلهم الكبير للمضاربة السريعة والمبنية على التوصيات أو الاشاعات، إضافة لعدم امتلاكهم لمعرفة بأدوات المضاربة وقياساتها فإذا كان الفرد يرغب الاستفادة من سوق المال ولا يمتلك الوقت والمعرفة لذلك فعليه ان يستثمر من خلال المؤسسات المالية، ويختار المنتج الذي يتناسب مع احتياجه لتنمية استثماراته ومن الغرائب التي تنتشر لدى بعض المتداولين الجدد أنهم يريدون دخول السوق بمبلغ للتجربة والتعلم واذا وقع بالخسارة وهذا امر وارد جداً لغيب الخبرة ينسحب لغير رجعة، وبذلك يكون حيد قناة استثمارية مهمة بإمكانه ان يستفيد منها لو تعامل معها كمشروع تجاري طويل الامد، وبالطريقة الصحيحة. فإما أن يختار استثمارات بعد دراسة دقيقة ان كان ملماً بهذا المجال او عبر المؤسسات الاستثمارية، فالسوق ليس حقل تجارب لأن الخسارة تعني فقدان مال وجهد ووقت وتكريس صورة نمطية سلبية عن مجال استثماري صنع ثروات للكثير ممن استثمروا بالطريقة الصحيحة.
أسواق المال فرصة كبيرة لتكوين الثروات وأغلب أثرياء العالم ممن يستثمرون بها وهي مصدر دخل ونمو رأسمالي للمدخرات المستثمرة، ولذلك التعامل معها لا يجب أن يكون من باب استسهال طريقة التداول فيها فهي ميزة لسرعة بناء المراكز والتخارج، ولكن يجب أن توظف هذه الميزة باستراتيجية استثمار تبدأ من سن مبكرة بتوظيف المدخرات شهرياً فيها او تكوين مركز بشركات عوائد لمن يبحث عن التوزيعات النقدية لكي ينوع مصادر دخله.