: آخر تحديث

رياضة الـ100 يوم الأولى

2
0
2

أمينة خيري

لعلها المئة يوم الأكثر إثارة للجدل، والأكثر احتواء على قرارات وسجالات وتصريحات قلبت العالم رأساً على عقب.

المئة يوم الأولى من حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تنقصها الإثارة أو الأهمية. المسألة هذه المرة ليست تحولاً معتاداً من أربع سنوات «ديمقراطية» لأربع سنوات «جمهورية»، وما يمليه ذلك من زحزحة صوب اليمين قليلاً أو في اتجاه اليسار بعض الشيء. هذه المرة، المئة يوم الأولى تشي بأن التغيرات المتوقعة ستكون كثيرة وعميقة.

المئة يوم الأولى لم تكن حافلة فقط بخطوات سياسية واستراتيجية فيما يتعلق بالشرق الأوسط وحرب غزة وإيران و«حزب الله» و«الحوثيين»، أو في ملفات ملتهبة أخرى مثل حرب روسيا في أوكرانيا، ولكنها متخمة بقرارات وتصريحات، منها ما رأى النور، وهي قليلة، ومنها ما ينتظر إما التفعيل أو التأجيل أو الذهاب لحال سبيلها.

وعلى الرغم من أن الخطوات التي خطتها إدارة الرئيس ترامب في ملف غزة هي الأكثر تداولاً في منطقتنا، وهذا أمر طبيعي لأسباب كثيرة تتعلق بالتاريخ والجغرافيا والآثار المباشرة والآنية، إلا أن قرارات ترامب في شأن الرسوم الجمركية قلبت العالم حرفياً رأساً على عقب، وفي ذلك العديد من الدروس والحكم.

ما نشهده حالياً مما اختلف الجميع حول تسميته بين «صدمة» و«ثورة» و«يوم التحرير» و«صراع» الرسوم الجمركية، والتي تم تصويبها على الجميع من أصدقاء وأعداء ومن بينهما، هو الأكثر إثارة.

بالطبع ما يجري في ملف غزة والتصورات الموضوعة حول مستقبلها والتصورات الموضوعة حول دور الدول المحيطة جميعها من الأمور الجلل، إلا أنها على الأرجح لم تكن لتتغير أو تختلف كثيراً في حال كان الرئيس الحالي ينتمي للحزب الديمقراطي أو حتى حزب الخضر أو التحرريين (وهما من الأحزاب الصغيرة غير المعروفة).

ما يتبعه الرئيس ترامب في ملف الرسوم ترجمة فعلية لرياضة «الأيكيدو»، تلك الرياضة التي لا يعرف الكثيرون عنها، باستثناء استغلال اسمها الدارج لوصف حالة أو نزاع. إنها حرب تكسير العظام فعلياً، تلك الرياضة يابانية المنشأ، والتي تعد دفاعية بامتياز. تعتمد هذه الرياضة على تحقيق الفوز من خلال إلحاق أكبر ضرر للخصم، لا جسدياً، ولكن عبر استنزاف طاقته وإضعاف حركته.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي قال إن فرض ضرائب استيراد أعلى موجهة لـ«أسوأ الدول انتهاكاً للتبادل التجاري»، إلا أن نيرانها تشمل الجميع، وإن بدرجات متفاوتة.

الحرب وصلت ذروتها مع الهدف الأكبر، ألا وهو الصين. فهي تحظى بالنسبة الأعلى من حيث الزيادة، ومن ثم، كان يفترض أن تعاني القدر الأكبر من الضرر. حرب تكسير العظام الجمركية لم تنته بعد، لكن جولاتها تتخذ مناحي لم تكن متوقعة. ترامب كان يراهن على أن الصين ستهرع إلى إرضائه، ولم لا، وهي مضطرة – حسب حسابات ترامب - لإيجاد أسواق تصرف فيها منتجاتها التي ستتراكم لديها «الآن» وستخفض من حجم إنتاجها المهول «غداً»، وهو ما من شأنه أن يلحق أكبر الضرر على اقتصادها، وهو ما سيدفعها دفعاً نحو قبول ما تمليه أمريكا.

لكن ما حدث هو أن الصين أيضاً على علم ربما يفوق العلم الأمريكي بقواعد «الأيكيدو»، حيث قواعد اللعبة تحتمل الاجتهاد وتتسع للمناورات وتزيد من امتداد الأفق. يسمونه هكذا «الأفق» لأنه الخط الذي ينتهي عنده امتداد البصر، أي أنه كلما اقتربت طال الأفق. وهذا ما تفعله الصين، وترد عليه أمريكا، وهلم جرا.

الصين ترى إمكانات وفرصاً فيما جرى: فتح أسواق بديلة، إبرام اتفاقات وتحالفات مع دول أخرى متضررة، بل وربما تحرم المستهلك الأمريكي من منتجاتها، وذلك ضمن أدوات تكسير العظام، وهو ما سترد عليه الإدارة الأمريكية على الأرجح ببذل المزيد من الضغط على الدول التي تستهدفها الصين، وهلم جرا.

غاية القول إن ما يجري حولنا يؤكد أن الحروب ليست دبابة وسلاحاً نارياً ومسيرة فقط. هي حرب تجارية، ورسوم جمركية، ورياضة تكسير عظام، ومازلنا نتابع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد