إيلاف من باريس: نشرت صحيفة Le Canard Enchaîné الفرنسية الساخرة رسومات كاريكاتيرية عدَّة تتناول المجازر التي شهدتها مناطق الساحل السوري والتي استهدفت آلاف العلويين، منتقدةً الدور السلبي الذي لعبته هيئة تحرير الشام بزعامة أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع في إذكاء نار هذه المجازر، ومستذكرة دور النظام السابق بقيادة الرئيس المخلوع بشار الأسد في الحرب السورية.
في إحدى الرسومات، أعادت الصحيفة استخدام كاريكاتير قديم سبق أن نشرته تحت عنوان "محل جزارة الأسد: المحل مفتوح كل الأيام حتى يوم الأحد". آنذاك، نُشر الكاريكاتير تعليقاً على المجازر التي ارتكبها النظام السوري السابق بحق المدنيين خلال سنوات الحرب. أما في النسخة الجديدة، فقد استبدلت الصحيفة صورة الأسد بصورة الجولاني، بحيث يظهر بهيئة دموية وهو يحمل ساطوراً، وأرفقت الصورة بعبارة ساخرة تقول: "عدنا إلى العمل... تم تغيير صاحب المحل".
وفي رسم آخر، ظهر الجولاني مرتدياً قميصاً زيتياً وهو يقول: "انظروا، أصبحت أرتدي نفس ملابس (الرئيس الأوكراني فلوديمير) زيلينسكي! هذا دليل أنني أصبحت معتدلاً"، في إشارة إلى محاولاته تقديم نفسه كقوة سياسية معتدلة رغم استمرار الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها قواته في المناطق التي تسيطر عليها.
أما الرسم الثالث، فقد جاء تعليقاً على المجازر الأخيرة في الساحل السوري، حيث تظهر قوات الجولاني وهي تقول: "نريد تحويل الأقليات المرئية، إلى أقليات غير مرئية".
وكتبت الصحيفة تقول إنَّ أعمال العنف التي اندلعت منذ السادس من آذار (مارس) "أسفرت عن مقتل أكثر من 1500 شخص، معظمهم من المدنيين العلويين، مما يهدد استقرار النظام السوري الجديد". وأضافت: "انضمت جماعات جهادية إلى القوات الحكومية لتنفيذ عمليات انتقامية، مما يزيد من خطر الدخول في دوامة من الثأر والانتقام".
وقالت الصحيفة إنَّ سوريا "شهدت ثلاثة أشهر من الهدوء بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وصعود أحمد الشرع، الإسلامي السابق الذي يعلن توبته، إلى سدة الحكم. خلال هذه الفترة، كانت البلاد تحاول تضميد جراح خمسة عقود من دكتاتورية الأسد (الأب والابن) وثلاثة عشر عامًا من الحرب الأهلية التي خلفت حوالى نصف مليون قتيل. لكن في السادس من آذار (مارس)، اندلعت المواجهات بعد هجمات نفذتها ميليشيات علوية – الطائفة التي كان ينتمي إليها الأسد والتي كانت تهيمن على البلاد – في المناطق الساحلية الغربية، مما أدى إلى موجة من عمليات الانتقام ضد هذه الطائفة. وقد قُتل أكثر من 1500 شخص، غالبيتهم من المدنيين العلويين، فيما شملت المجازر أيضًا بعض أفراد الطائفة المسيحية، التي كانت تُعتبر في السابق 'محمية' تحت حكم الأسد، بعد هجمات استهدفت القرى".
مجازر الساحل السوري
وتأتي الرسوم في سياق تصاعد أعمال العنف في الساحل السوري، حيث شهدت المنطقة مؤخراً مجازر طالت المدنيين العلويين، وسط اتهامات بضلوع عناصر من هيئة تحرير الشام وفصائل مسلحة أخرى، بعضها إرهابي، كالحمزات والعمشات، في هذه الهجمات. هذه المجازر، ورغم قسوتها، ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل الدماء الذي لم يتوقف منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
فعلى مدى سنوات، ارتكب نظام الأسد مجازر مروعة بحق المدنيين في مختلف أنحاء سوريا، مستخدماً كل أدوات البطش، من القصف بالبراميل المتفجرة إلى المجازر الجماعية بالسلاح الكيميائي كما حدث في الغوطة الشرقية عام 2013. وفي الساحل السوري، شهدت عدة مناطق عمليات انتقامية واسعة، حيث قُتل المئات بوحشية على يد ميليشيات موالية للنظام في عمليات تطهير طائفي استهدفت مدنيين سنة.
سجل أسود يمتد من الأسد إلى الجولاني
لكن المجازر المرتكبة بتوقيع أطراف في السلطة الجديدة لم تقتصر على العلويين من الأقليات، فقد كان للدروز سابقاً نصيبهم من العنف أيضاً. ففي جبل السماق بريف إدلب، الذي كان يقطنه أكثر من 30 ألف درزي، نفذت هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني هجمات دامية ضد القرى الدرزية، لا سيما قلب لوزة، أسفرت عن مئات القتلى والجرحى والمفقودين، في حين أجبرت سلطة الجولاني الأهالي على تغيير عقيدتهم الدينية، ودمرت مقاماتهم ومزاراتهم، وسوَّت مقابر موتاهم بالأرض، وصادرت ممتلكاتهم بذرائع واهية. هذه المجازر أعادت إلى الأذهان أساليب النظام في تصفية الأقليات الدينية واستغلالها سياسياً لإثارة النزاعات الطائفية، وقادت إلى تهجير معظم الدروز من جبل السماق.
أما في تموز (يوليو) 2018، فقد تعرضت مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية لهجوم دموي من قبل تنظيم داعش وجماعة النصرة، أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصاً، وسط اتهامات للنظام السوري بتسهيل مرور المسلحين إلى المنطقة في محاولة للضغط على الدروز وإخضاعهم.
الجرائم مستمرة والضحية واحدة
رغم اختلاف الأطراف المنفذة، تبقى النتيجة واحدة: مدنيون يُذبحون، وأقليات تُباد، وسلطات تتاجر بدماء الأبرياء لتعزيز مكاسبها السياسية والعسكرية. فكما كان نظام الأسد يدير "محل الجزارة" في سوريا لسنوات، جاء أبو محمد الجولاني ليواصل العمل تحت لافتة جديدة، فيما يدفع السوريون، بمختلف طوائفهم، الثمن الأكبر في حرب لا يبدو أن نهايتها تلوح في الأفق.