إنَّ الذاكرة الجمعية لأيّ شعب من الشعوب هي ذاكرة حافظة تخزن ما مر بها من أحداث ووقائع، ثم تنقلهما للأجيال اللاحقة علها تستخلص منهما الدروس والعبر لتتجنب كل ما من شأنه الإضرار بها وبمصالحها الوطنية، ومصادرة حقوقها المشروعة المعترف بها دينيًا وقانونيًا وعرفًا. إنَّ الشعب الإيراني لا يمكن له أن ينسى ما مورس عليه من بغي وظلم وعذاب في مرحلتين تعدان من أسوأ مراحله الطافحة بالقهر واستلاب أبسط حقوق المواطن الإيراني الذي عانى ما عانى دون ذنب اقترفه سوى أنه عاشق لحريته مستمسك بكرامته؛ مع علمه المسبق بأن ضريبة ذلك العشق غالية الثمن، وأن السير في طريق صون الكرامة شاق ومضن وطويل.
لقد تعالت صرخات الشعب الإيراني إلى أن طرق دويها أسماع العالم بأسره (لا للشاه، لا للملالي)، لقد قالها وسيبقى يرددها لأنه لا يمكن أن يرضى برمزين من رموز الفساد الأخلاقي والسياسي، وهما (تاج الشاه، وعمامة الولي الفقيه)، لأنَّ معركة الشعب الإيراني هي معركة حياة أو موت لا مهادنة فيها مع طغاة مارسوا الاستكبار بكل صنوفه على أبناء وطنهم، وجرعوهم كؤوس الهوان والإذلال بكل حقد وصلف، حيث لم يستطع لا نظام الشاه بعتوه وعناده، ولا نظام الولي الفقيه بغبائه وتجبره، أن يرتقيا إلى أدنى درجات التعامل الإنساني المغيب من قاموسيهما، إن ما يحاك للشعب الإيراني من مؤامرات سواء بالسر أو بالعلن غايتها إعادة إنتاج الاستبداد الشاهوي وتلميع صورته بالشعارات المزيفة التي باتت منتهية الصلاحية، وغير قابلة للتصديق مهما زخرفوها ونمقوها بالوعود الإصلاحية التحديثية، ذلك لأن الشعب الإيراني المنتفض امتلك وعيه الثوري، ونضجت تجربته النضالية في مقارعة قوى الطغيان ذات التاريخ الحافل بالمظالم وإراقة الدماء، وكما يقول المثل (من يجرب المجرب عقله مخرب).
في ضوء كل ذلك التجني الممارس من قبل الولي الفقيه وأذنابه المنفلتة، والضاغط نفسيًا وروحيًا واقتصاديًا على المواطن الإيراني نجد كلمات قائد المقاومة الإيرانية مسعود رجوي تضع النقاط فوق الحروف من خلال رسالته السياسية العميقة التي قال فيها (إن إنكار الثورة المناهضة لحكم الشاه هو إهانة للشعب الإيراني بأسره، وتعدٍ سافر على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالأخص على حق الشعوب في الثورة ضد الظلم باعتباره آخر ما تملكه من أدوات الدفاع عن كرامتها)، مبينًا أنَّ الوقوف موقف الحياد بين الدكتاتوريتين هو خيانة، كما بيّن أيضًا (إنَّ تأجيل الحسم في الموقف بين الجمهورية، أو نظام الشاه بحجة الحفاظ على الوحدة، ما هو إلا خداع سياسي يخدم استمرار حكم الملالي؛ ذلك لأنَّ جوهر القضية ليس في الأشكال بل في الحسم المبدئي لموقع الشعب الإيراني الذي هو صاحب السيادة والقرار، وله كامل الحق في تقرير المصير). كما بيّن رجوي موجهًا كلامه إلى الذين يريدون إعادة فرض دكتاتورية الملالي (لن يعيد التاريخ نفسه، ولا عودة للوراء، وكما لن تعود روسيا وأفغانستان والعراق إلى هويتها السياسية التي كانت عليها فإن إيران ليست استثناء من هذه المعادلة ولن تعود)، وبهذا نجده يقطع الطريق على كل من يحاول بعث الأرواح من المقابر، وتزيين صورة الاستبداد بقوله (من لا يملك شيئًا ليخسره يملك كل شيء ليقاتل من أجله، وعليه لم يبق لنا إلا طريق واحد هو طريق الثورة الشعبية المسلحة، وإننا نفتخر ونعتز بالتهم الموجهة إلينا لأننا في ساحة محكمة مزيفة، لكن الشعب والتاريخ هما من سيقول الكلمة الفصل).
إنَّ معالم الطريق الثوري أضحت واضحة لا غموض فيها، وهي التي سيتبعها الشعب الإيراني المنتفض، إذ لم يدع محاولة إلا واستنفذها مع الرجعية العالمية التي تريد تعزيز مفاهيم سياسية متخلفة تهيمن على الشعب الإيراني، وتزعزع أمنه، وتهدد المنظور السياسي لمستقبل منطقة الشرق الأوسط برمتها، وهنا لا مناص من القول إن من يستجلب لوطنه الشر والفقر والعدوان سواء برعونته، أو باعتقاده أنه دهاء منه لا يستطيع الادعاء بوقوفه مع الحق وحرية الشعوب، وبقدر ما نتطلع لنيل حريتنا المسروقة بقدر ما نعي شناعة المرحلتين الدكتاتوريتين في إيران، مرحلة الشاه الطاغوتية، ومرحلة الولي الفقيه القمعية، فالمقاومة الإيرانية والشعب من ورائها لن يتراجعا عن طريق اختطاه، وشعار رفعاه (لا للشاه، لا للملالي). الشعب يريد جمهورية حرة ديمقراطية تؤمن بالتعددية، لا مكان فيها لاستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، جمهورية تعمل على تحقيق مصالح شعبها، وتحقق له غاياته الرفيعة، وترسخ له أهدافه السامية النبيلة بتأمين عيش كريم وتعامل تتجلى فيه المؤاخاة مع كل الشعوب المحبة للسلام التواقة للانعتاق من رجس التكبيل والتنكيل، والتضليل الأجوف. وإن الشعب الإيراني يليق به التحرر من ربقة الاستعباد مثلما يليق به قطف ثمار انتصار حلم به طويلًا على رسل التخلف والإجرام والرجعية.