يُعد (دونالد ترامب) واحدًا من أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في السياسة الأميركية المعاصرة. فقد انتقل من كونه رجلَ أعمال ناجحًا، إلى نجمٍ تلفزيوني، ثم أصبح رئيسًا للولايات المتحدة، ليعود بشكلٍ مفاجئ إلى الساحة السياسية في عام 2024. وتُعد هذه العودة واحدةً من أكثر التحولات السياسية دراماتيكية في تاريخ أميركا.
عاد ترامب في لحظات من الدهشة والترقُّب مع توقعات خائبة، بعد فشل جميع المؤامرات الداخلية التي قام بها الحزب الديمقراطي، وعمليات اغتيال مجهولة الهوية. أعاده الشعب الأميركي - بمزاجه البرتقالي - بقوة إلى الساحة، حاملًا روحَ الانتقام من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والتضخم، والبطالة، والضرائب.
هذا إلى جانب ترهُّل السياسة الأميركية وضعف قادتها الذين يُخطئون حتى في أسماء الدول ورؤسائها وجغرافيتها، بالإضافة إلى تصرفاتهم التي تُظهر عدمَ قدرتهم بشكلٍ فكاهي؛ مما يُشعرهم بصغَر حجمهم، مقارنةً بحجم دولتهم ومسؤوليتها الدولية.
شخصية ترامب تنعكس على سياسته الداخلية والخارجية؛ حيث تتسم بالفوضى وتناقضات القرارات، وسلطويتها الممزوجة بالنرجسية المَرَضيَّة. وتُشير معظم الدراسات النفسية الدولية، بالإضافة إلى العديد من المحللين النفسيين، إلى أن ترامب يُظهر سماتٍ نرجسيةً واضحة؛ مثل: الرغبة في لفت الانتباه، والظهور، والشعور بالتفوق والتميز عن الآخرين، بالإضافة إلى حساسيته المفرطة تجاهَ النقد. فهو يتحدث كثيرًا عن إنجازاته، وأنه (الوحيد القادر على إنقاذ أميركا)، وهذه الصيغة الخطابية تُعزز ما يُعرف بـ (النرجسية القيادية).
ويُلاحَظ أنه قد تبنى أسلوباً سلطوياً، حيث يتخذ قراراتٍ حاسمةً وفجائية، ويميل إلى تقويض المؤسسات أو تجاهل الأعراف الدستورية، مفضلًا الولاءَ الشخصيَّ على الكفاءةِ المؤسسية. كما يتصف بقدرٍ كبير من الانتهازية والبراغماتية؛ فهو لا يتردد في تغيير مواقِفِه إذا رأى أن ذلك سيُحقق له مصلحةً أو شعبية، ولا يلتزم بخطٍّ أيديولوجي واضح؛ بل يختار ما يناسبه في كل لحظة.
إقرأ أيضاً: رفقًا بأنبياء الحرف
وهناك شِبهُ إجماعٍ، من خلال مقالات أكاديمية في علم النفس السياسي، وكتب، ومقالات دولية، على أن ترامب ذو شخصية معقَّدة، تُظهر سماتٍ بارزةً وفقًا لنموذج (السمات الخمس الكبرى)؛ حيث يميل إلى التفكير التقليدي، ويُفضل الأساليبَ المألوفةَ على التجديد والابتكار. كما يُظهر مستوى عاليًا من الانبساط، والقدرة على التفاعل الاجتماعي، والتأثير في الجمهور.
شخصية ترامب لها ميولٌ عدوانية وجنوح إلى المنافسة غير المنطقية، وقد تفتقر شخصيته إلى التعاطف مع الآخرين؛ مما يدفعها دفعًا إلى تحقيق أهدافها بأي ثمن. ومن أبرز صفاتها: العصابية، ومرض النرجسية؛ حيث تسعى إلى الهيمنة وتُظهر شعورًا مطلقًا بالاستحقاق؛ مما يؤثر -بشكل كبير- على أسلوبها في القيادة واتخاذ القرارات.
تظل شخصية ترامب مثيرةً للجدل، حيث يُمجِّده مؤيدوه كمدافعٍ عن القيم الأمريكية التقليدية؛ بينما يتعرض لانتقادات معارضيه بسبب أسلوبه الاستقطابي وسياساته المثيرة للانقسام. ومع ذلك، يتفق المحللون على أن ترامب يمتلكُ كاريزما قويةً، وتأثيرًا جماهيريًّا فريدًا - خصوصًا بين قاعدته الشعبية -، ويتميز بقدرته على التعبير بلغةٍ بسيطة ومباشرة، ويستغل وسائلَ التواصل الاجتماعي بمهارة؛ للتواصل مع جمهوره دون وسطاء، خاصةً عبر تويتر الذي كان أداةً رئيسةً له.
إقرأ أيضاً: عصر المنافق
ولعل أقوى تعبيرٍ عُبِّر به عنه كان من قِبَل الصحفي الأمريكي بوب وودوارد، أحد الصحفيين الذين كشفوا فضيحةَ ووترغيت في السبعينيات، التي أدَّت إلى استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون؛ حيث قال: "إن الجدل والاهتمام الإعلامي يُشكلان مصدرًا لحياته". فيما يبدو أن المستقبل مع ترامب سيكون صعبًا على الدول؛ حيث إن الجهل بأمزجته وقراراته المتسرعة، يُعد أحد ألغاز الزمن الغريب التي يصعب على أي شخص فهمُها.
قد يكون هناك بعضُ الاستقراء الأوَّلي؛ إذ من الممكن أن يفقد ترامب تأثيرَه في الساحة السياسية الأميركية والدولية، كما أن سياسات ترامب التجارية قد تؤدي إلى تقلُّبات اقتصادية عالمية؛ مما قد يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي العالمي، ويزيد من احتمالات الركود، وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي.
ومن المحتمل أن يستمر ترامب في الظهور الإعلامي، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية، أو منصات التواصل الاجتماعي؛ مما يُعزز تأثيرَه على الرأيِ العام. كما أن سياسات ترامب في الشرق الأوسط تُظهر مزيجًا من الدعم الإستراتيجي لحلفاء الولايات المتحدة؛ مثل: السعودية والإمارات وقطر، إلى جانب تَبنِّي سياسة متشددة تجاه إيران وسوريا، تهدف إلى احتوائهما بأسلوبٍ ابتزازيّ على الصعيديْن (الاقتصادي والسياسي).
يُتَوَقَّع أن يستمر المسلسل الدرامي لترامب لسنوات؛ حيث تتخلّله لحظاتُ كوميدية مضحكة، ودراما حزينة، تعكس شخصيته غير المستقرة والعصابية. ولا أحد يمكنه التنبؤ بالمفاجآت الكبيرة التي قد تحدث؛ مثل: انهيار أنظمة، وتغيير خرائط الدول، واغتيالات تستهدف زعماء وأحزاب وميليشيات، بالإضافة إلى حصاراتٍ اقتصادية، وحروب فيروسات مُصنَّعة، وربما حتى اغتيال مفاجئ للرئيس نفسه.
إقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي ما بين قوسين
خلاصة القول: هذا الـ (ترامب) شخصٌ مندفعٌ وقليلُ الخبرة، كما أن شخصيته تفتقر إلى الكفاءة والقدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة، وهو يعتمد في قراراته على غرائزه الشخصية وعقليته التجارية؛ مما يؤثر سلبًا على السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
والخطر في شخصية ترامب - كحاكم - لا ينبع فقط من سياساته؛ بل أيضًا من طريقة تفكيره؛ حيث يغلب عليه: الانفعالُ، والردودُ السريعة، وغيابُ التفكير المؤسسي.
ترامب هو اسم (ممنوع من الصرف)؛ لذا لا يستطيع أحدٌ منعَه من جَرّ العالم إلى التهلُكة باستخدام حرف الجر!، كما أنه لا يُمكِن إدراجُه في بيت الحكماء بالتنوين.
إنه اسم لا يقبل الجرَّ أو التنوين إلا عند الضرورة!