: آخر تحديث

المنهج الدراسي: مشروع إنساني لا جدول حصص

0
0
0

في كثير من المدارس العربية وإدارات تعليمها، يترسّخ في أذهان كثير من المعلمين والتربويين أن المنهج هو ذاك الكتاب المدرسي، المرتب الصفحات، المرقّم الوِحدات، المصفوف بالأسئلة. يمسكه الطالب كل صباح، ويقرأه المعلم بصوتٍ جاف، ويظن الجميع أن هذا هو "المنهج الدراسي".

لكن الحقيقة أبعد من ذلك... وأعمق مما يتصورون.

المنهج الدراسي... حياة تُعلَّم رؤية تكتسب. إنه خريطة فكرية تربوية تتجاوز حدود الورق، وتلامس تكوين الإنسان... هو مشروع لبناء عقل، وتشكيل وعي، وتوجيه سلوك. إنه يضم الأهداف الكبرى التي ترسم صورة المتعلم الذي نطمح إليه، لا ما يجب أن يحفظه الطالب للامتحان فحسب.

المنهج هو الأهداف، والمحتوى، وطرائق التدريس، وأساليب التقويم، والأنشطة، والمواقف التعليمية غير الرسمية... إنه البيئة المدرسية بكل ما فيها: من نظرة المعلم إلى طلابه، إلى نبرة الصوت حين يشرح، إلى طريقة حلّ الخلافات في الصف. كل هذا جزء من المنهج، وإن لم يُكتب في صفحة المقرر.

أما المقرر المدرسي، فهو الوسيلة، وليس الغاية. هو تجسيد جزئي لما في المنهج، لكنه ليس المنهج كله. هو المادة المختارة لتوصيل المعرفة، ولكنه لا يشمل طرائق الغرس، ولا آليات الفهم، ولا حتى روح التعليم. المقرر أداة، إن حُبست في يد المعلم بلا وعي منه بالمنهج، صارت جامدة؛ وإن أُحسن استخدامها ضمن فهم شامل، صارت مفتاحاً لبناء الفكر.

ربما يعود الخلط إلى ضغوط الأنظمة التعليمية، حيث يُقاس النجاح بنسبة الإنجاز في الكتاب، لا في أثر التعلّم. فتتحوّل الحصة إلى سباقٍ مع الصفحات، لا مع فهم الطلاب. يَنسى بعض المعلمين أن "التعليم" لا يعني فقط "التلقين"، ولكنه يعني إحياء المعنى، وفتح العقول، ومرافقة الرحلة.

سيتحوّل المعلم من ناقل محتوى إلى صانع تجربة. وسيتعلّم الطالب لا ليحفظ فحسب، وإنما ليفهم، ويُحلّل، ويعيش ما يتعلّمه. وبهذا سنكتشف أن المدارس ليست مخازن كتب، ولكن ورشاً لصناعة الإنسان.

المنهج الدراسي ما يبقى في قلب الطالب وعقله بعد أن يُغلق الكتاب. إنه ما يصنع منه إنساناً قادراً على التفكير، على السؤال، على التمييز. وما أحوجنا اليوم إلى هذا الفهم، في زمن تتكدّس فيه المعرفة، ويضيع فيه المعنى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.