نحن البدو الذين لا نتكلم إلا بلغتنا المفخخة بالنضج اللانهائي من مفردات اللغة المتفردة، كيف يمكن للعاشق قبل قرون عدة، رغم كل ما يواجهه من حياة شغف وضنك وقلة طعام يستطيب العاشق منذ قرون عديدة أن يقوموا برسم خارطة حياته باللغة، كأن يجد في الليل هواه وفي النجوم ضيء عيني معشوقته، وفي الرمل الأحمر جنة من الورد نحو المضي تجاه القلوب التي لا تقتبس الحظ ولكنها تمتلكه.
نحن البدو ملاك اللغة ولم يأت بعدنا من يتقاسم معنا مملكة اللغة بكل اشكالها من حروف الجر والنصب وفسحة الضم والكسرة ونون النسوة. يصرح غوغل عبر منصته الإلكترونية قائلاً عن عظيم هذه اللغة: "هي اللغة التي كتبت بها معظم النصوص العربية، وتقابلها العامية والدرجة المحكية بلهجات محلية. تُردّ العربية الفصحى للقرآن لتأثير النص القرآني كنص مقدس في وضع قواعدها وكمرجع للقياس، ويطلق أيضًا على اللغة التي استخدمت في حدود صدر الإسلام (ومن ضمنها النص القرآني) بالعربية الفصحى التراثية، وتقابلها العربية الفصحى الحديثة أو المعيارية وهي اللغة المستخدمة اليوم بشكل واسع في الصحافة أساسًا والمعتمدة في التعليم وفي المعاملات الرسمية، وهي سليل مباشر للعربية التراثية".
مشكلتنا نحن البدو أننا نجد صعوبة شديدة في أن يتفهم من حولنا خارج نطاقنا اللغوي المعنى الذي نقصده، في "كتالوج" اللهجة المحكية لا يمكن أن تتوقف عند حدث ما فأحداث هذه اللغة لا يمكن إلا أن تقف أمامها منبهراً سواءً بالفصحى أو العامية، وفي الأخيرة حينما يريد أحدهم أن يطمئن عليك فيقول لك "إن شاء الله تكون بخير"، فيرد الطرف الآخر "الخير بوجهك"، العبارة لا تحتاج إلى فهم أو شرح فهي تشرح نفسها، كلمات كثيرة تُستخدم في العالم العربي تختلف من طرف عاصمة إلى وسط قرية، تعجز في الحقيقة عن فهم العبقرية التي أجاد فيها البدو حتى بعد أن تحولت اللغة إلى عامية صرفة، لأن تعيد مرة أخرى كما قلنا في السطر الأول من المقال مفخخة بالجمال وحسن اختيار المعاني في الرد. البدويون لا مثيل لهم في العشق وبين أن نعترف بصعوبة اللغة الفصحى حيث يتمنى الكثيرون التحدث بها كالمسلمين غير العرب، وأصحاب ذائقة اللغات الشعرية فحلمهم أن يقرأوا المعلقات العشر الشعرية كما هي من دون الحاجة إلى ترجمة، الكثيرون من الدول حول العالم لا يملك القدرة على فهم هذه اللغة العظيمة، المشكلة أننا نبدو في غاية الخشونة في حين أن قلوبنا عبارة عن أقطان من الغيوم الهشة، وهجميون وأحياناً سريعو الغضب لكن قلوبنا لا مثيل لها.
لماذا أكتب اليوم عن اللغة العربية الفصحى؟ لسبب ما متأكدة أن معظمنا قد مر به خارج حدود الوطن الإسلامي العربي، فقد حدثت لي أكثر من موقف وحتى هذه اللحظة التي أكتب بها مقالي، على سبيل المثال الأوروبيون والأمريكيون يتحسسون جداً إن لم تقل قبل أن تبدأ طلبك منهم "من فضلك" والأروبيون مثل الأسبان لا يهتمون أن تقول هذه العبارة طالما وجهك يضخ باللطف، لقد واجهت أنا وغيري قسوة اللوم لأنك طلبت من الجارسون على سبيل المثال ولم تقل "من فضلك"، فيأتيك صاروخ من جميع الجهات، "قل من فضلك لو سمحت فأنا لا أعمل لديك"، وبعدها يتركك وهو يبرطم ويثرثر مع نفسه كالمهووس، ويتحدث باللغة التي لا تفهمها لكن تدرك أنه غاضب من إسقاطنا نحن البدويون كلمة من فضلك في طلباتنا، نحن لا نحتاجها طالما نتعامل بلطف شديد، لا نجد أن كلمة "please" باللغة الإنجليزية "s'il te plaît" بالفرنسية و"per favore" بالإيطالية، يمكنها أن تهين الطرف الآخر. الغريب حتى ونحن نطلب قهوة على سبيل المثال، في حي أوروبي إن ابتسامتنا تكفي لإسقاط كلمة "من فضلك".
فهل أنت عزيزي القارئ معي...