: آخر تحديث

الشذوذ الجنسي في الرواية

0
0
0

أول صدمة في حياتي حينما قرأت رواية المغربي الراحل محمد شكري "الخبز الحافي"، وكنت أدنو كي أصل لعمر 12 سنة، وقد صدمت وأنا أتتبع تفاصيل الرواية التي تناولت مواضيع مثل الشذوذ الجنسي، المخدرات، والعنف، مما أثار جدلاً واسعًا عند صدورها، ورواية مثل "الخبز الحافي" تعتبر تحديًا للتابوهات في المجتمع العربي، حيث تُبرز صراعات الفرد مع القيم التقليدية.

الشذوذ الجنسي في الرواية العربية هو موضوع يثير الكثير من الجدل والنقاش، ويعكس التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في معالجة قضايا الهوية الجنسية. بالرغم من الصعوبات، فإنَّ وجود هذه الروايات يسهم في فتح النقاشات ويعزز من الوعي الاجتماعي.

كتب أسد محمد في موقع "إيلاف" في عام 2005 عن الشذود الجنسي في عمل روائي، وذكر على سبيل لا الحصر الروايات التي وصفت حينها بالجرأة والخروج عن المألوف، وقال إنَّ الرواية العربية دخلت إلى محرماتها ونظرت إليها من الداخل كمغامرة لا تزال في بداياتها، رغم المساهمات العديدة والهامة، حيث قدم لنا الروائي العماني حسن اللواتي رواية صادرة عن دار أزمنة للنشر في الأردن وذلك في عام 2004 بعنوان رحلة البحث عن الذات وهي الرواية الأولى له. وموضوع الرواية الجنسية المثلية، وهي تعني العلاقة بين رجلين.

تأتي هذه الرواية بعد سلسلة طويلة من الروايات العربية التي تناولت موضوع البغاء بكل أشكاله، وقد تطرق الكتاب لمواضيع الجنس وشذوذه وطقوسه المتنوعة في كثير من أعمالهم الإبداعية مثل ما ذكرته في أول المقال، أي رواية "الخبز الحافي"، وهي عمل أدبي بارز يعكس تجربة إنسانية عميقة، ويُعتبر من أبرز الأعمال التي تناولت موضوعات حساسة في الأدب العربي. وفي الرواية تظهر قدرة محمد شكري على نقل تجاربه بأسلوب مؤثر وواقعي، مما يجعله من الكتّاب المهمين في الأدب العربي الحديث.

هناك أيضاً "رائحة الصابون" للروائي رشيد بوجدرة، و"رحلة غاندي الصغير" للروائي إلياس خوري، كما يبرز غالب هلسا في روايته "السؤال" وتوفيق يوسف عواد في روايته "طواحين بيروت"، وطاهر بن جلون في "حرودة" وغيرها من الروايات التي نظرت إلى القصي من الجنس والممنوع منه بعدسة الأدب وبيان آثاره السلبية والدوافع الكامنة وراءه ونتائجه المختلفة.

في هذا المقال لن أتطرق إلى الجنس رجلاً مع رجل ويطلق عليه الشذوذ، وإنما التركيز سيكون عن المرأة مع المرأة وهو ما يسمى بالسحاق، وما الهدف من التطرق إليه في الرواية.

أتذكر جيداً حينما استيقظت وأنا أرتجف بعد قراءتي لكتاب الروائية إلهام منصور "أنا هي أنت"، وقد صفقتني على خدّي، ولم أفهم ما الذي تريده الكاتبة من الحديث عن مجتمع السحاقيات، وأستطيع تلخيص مقالي عن الكتاب، الذي في الحقيقة هز كياني، وكأن زلزالاً أتى على حين غفلت، حيث كنت وقتها لا أزال صغيرة لم أصل بعد حتى منتصف "الطعش"، والكتاب يدور حول أحداث في أفق شخصيات نسائية، وعلاقاتهن المثلية: سهام، ليالي، نور، ميمي. وهن في معظمهن مثقفات وتلميذات وجامعيات ينفردن بقراءة واقعهن وتحليله، وقد يستغرق ذلك صفحات عديدة تخرج الرواية عن سكتها وتدخلها في تداعيات نفسية وتحليلية. وبالرغم من مستواهن الجامعي والثقافي فإنهن يطرحن أنفسهن بجرأة.. سحاقيات، وكل واحدة منهن تبحث عن شريكة لها، ويغدو التعبير عن مشاعرهن وعواطفهن لغة يفيض قاموسها بمفردات وجمل إنشائية، غالباً ما تتبادلها المراهقات فيما بينهن.

ومحاولات التقارب التي يقمن بها تجاه بعضهن البعض، تسلك هذا المنحى وتسقط في لغة مباشرة، تتوسل التهديد والوعيد بفضح إحداهن، وإذا لم تستجب لها عاطفياً، على الملأ أمام الأساتذة وطلاب الجامعة وأخيراً فإن "أنا هي أنت" تبرز بكثير من الجرأة والصراحة والعفوية مسألة تشكل هاجساً مرعباً عند كثيرات تضطرهن الظروف الاجتماعية والنفسية وحتى البيولوجية إلى علاقات مثلية، لا ترضي فيهن موضع الشبق وحسب، وإنما عطشهن إلى المستحيل يجسد شذوذهن وسلوكهن في الطريق المرتجى إلى أجسادهن وشهواتهن.

بعد سنوات من محاولة عدم البحث عن مثل هذه النوعية من الكتب، حتى كنت في السنة الثانية في جامعة البحرين، وكنت على الدوام أعبر طريقي إلى المكتبة وهي قريبة من الجامعة، ووجدت كتاباً جديداً للروائية السعودية صبا الحرز "الآخرون"، حيث تطرقت إلى المجتمع المحافظ لكنه لا يعلم من الداخل ما الذي يحدث، وقد أحببت صدقاً الرواية بعيداً عن النقد الذي طالها، ولكن جرأتها كانت سباقة. ومما لفت انتباهي أيضاً كتاب "غراميات شارع الأعشى"؛ ربما لم يلتفت إليها البعض، لكن تبرز فيها العلاقة الجنسية بمزنة بنت وضحى لعطوى، لكن الكاتبة حاولت أن تختزل العلاقة وتضعها في إطار ضيق جداً، حيث اعتمدت على تجسيد المشهد برموز، عسى القارئ أن يفهم ما الذي كانت تعنية كاتبة الرواية البشر من هذا المشهد!

وأخيراً، كتاب "شقة الجابرية" للكاتبة الكويتية الدكتورة عالية شعيب، حيث تناقش الرواية كيف يتشكل الإدراك الذاتي من خلال الإدراك الجسدي، خلاصة الرواية أن الأحداث تدور في "شقة الحرية" وتعكس البيئة المحيط بها التساؤلات عن الهوية والجسد، كما تتناول الرواية مزيجاً من الفلسفة والسياسة. إضافة إلى عدد من الكتاب أشاروا إلى الشذوذ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مثل رواية "العمى" للكاتب جوزيه ساراماغو، والتي تتناول موضوعات متعددة بما في ذلك الشذوذ، رغم أنه ليس من الكُتاب العرب، وأحلام مستغانمي بعض أعمالها تشير إلى موضوعات الشذوذ بشكل غير مباشر، مما يعكس تعقيدات العلاقات الإنسانية، أيضاً رواية "ساق البامبو" للكاتب سعود السنعوسي، حيث تناول في روايته قضايا الهوية والجنس، بما في ذلك الشذوذ الجنسي.

الجميع يعلم أنَّ الروايات التي تعتمد على الشذوذ الجنسي تسهم في فتح النقاش حول قضايا الهوية الجنسية وحقوق الإنسان في المجتمعات العربية. الشذوذ الجنسي في الرواية العربية هو موضوع يثير الكثير من الجدل والنقاش، ويعكس التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في معالجة قضايا الهوية الجنسية. بالرغم من الصعوبات، فإن وجود هذه الروايات يسهم في فتح النقاشات ويعزز من الوعي الاجتماعي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.