يُظهر الهيكل الاقتصادي الإيراني علامات انهيار عميق، وربما لا رجعة فيه، كما أكدت هيئات بحثية تابعة للدولة ومسؤولون رفيعو المستوى. ووفقًا لأحدث النتائج التي نشرها مركز أبحاث البرلمان، لم يفشل الناتج الصناعي للبلاد في النمو في عام 1403 (آذار - مارس 2024 - آذار - مارس 2025) فحسب، بل دخل في ركود واضح، كاشفًا عن حجم التراجع في القطاعات الإنتاجية التي كانت تُعتبر حيوية للاستقرار الوطني.
انخفض مؤشر الإنتاج الصناعي للربع الأخير من العام الإيراني الشمسي 1403 بنسبة 4.5 بالمئة، بينما انخفضت المبيعات بنسبة 2.2 بالمئة، مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق. وفي الشهر الأخير من السنة الفارسية (إسفند)، تُظهر الأرقام السنوية انخفاضًا إضافيًا في الإنتاج بنسبة 0.8 بالمئة والمبيعات بنسبة 4.2 بالمئة. تُشير هذه الاتجاهات إلى تباطؤ مطرد، على الرغم من الارتفاعات الطفيفة التي بلغت 3.4 بالمئة و5.4 بالمئة على التوالي، وهي غير كافية لعكس مسار الانهيار الأوسع.
يشير باحثو البرلمان إلى أربعة أسباب مترابطة وراء هذا التباطؤ: التقلب المستمر في أسعار الصرف الأجنبي، وانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع يؤثر على المناطق الصناعية، ونقص السيولة والائتمان المؤسسي، والانخفاض المُقلق في كل من الطلب المحلي والصادرات. وكانت قطاعات تصنيع الأدوية والسيراميك والإلكترونيات وقطع غيار السيارات من بين القطاعات التي تكبدت أشد الخسائر. وحتى في الحالات التي ارتفعت فيها قيم سوق الأسهم لهذه الصناعات، يُحذر التقرير من أن هذا ليس دليلًا على الانتعاش، بل هو انعكاس للتضخم وهروب رؤوس الأموال إلى مضاربات مالية غير منتجة. تلقى قطاع الأدوية ضربة أخرى في نيسان (أبريل) 2025، عندما ألغت الحكومة رسميًا سعر الصرف التفضيلي البالغ 42000 ريال لاستيراد الإمدادات الطبية.
وأعلن مهدي بيرصالحي، رئيس منظمة الغذاء والدواء، أن الدعم السنوي البالغ مليار دولار للسلع الطبية الأساسية سيتم تحويله الآن بسعر السوق الحرة البالغ 285000 ريال للدولار – بزيادة سبعة أضعاف.
وأعرب بيرصالحي عن أمله في أن يتم "السيطرة على" زيادة التكلفة، لكنه أقر بأن الأسعار سترتفع حتماً، مما يضع عبئًا إضافيًا على الأسر المثقلة بالفعل. في غضون ذلك، اختفى قطاع السياحة الإيراني الواعد في يوم من الأيام تقريبًا.
وفقًا لمركز تنمية الصادرات الحكومي، زار البلاد 2700 سائح أجنبي فقط في عام 1403 – وهو رقم ضئيل مقارنة بتركيا المجاورة، التي استقبلت أكثر من 51 مليون سائح في نفس الفترة.
وعزا مصطفى شفيع شكيب، رئيس جمعية منظمي الرحلات السياحية، الانهيار إلى الاعتقالات واسعة النطاق للأجانب، واستمرار عدم الاستقرار السياسي، والانهيارات الجسيمة في البنية التحتية. وقال: "لقد تحول قطاع السياحة إلى مجرد قشرة فارغة لما يمكن أن يكون عليه"، واصفًا النظام بأنه غامض وخانق لكل من منظمي الرحلات السياحية والزوار المحتملين.
وتمتد الأزمة إلى الإسكان والتنمية الحضرية، إذ شهدت الأسابيع الأولى من عام 1404 (آذار - مارس 2025 – آذار - مارس 2026) ارتفاعًا حادًا في أسعار العقارات في جميع المدن الكبرى. ويعزى هذا الارتفاع جزئيًا إلى أزمة الطاقة التي شلت مصانع الأسمنت ومواد البناء، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف البناء وجعل حتى المساكن الأساسية بعيدة المنال بالنسبة لجزء كبير من السكان.
وفي اعتراف لافت في قاعة البرلمان، أشار النائب أبو الفضل أبو ترابي إلى سوء إدارة الموارد المائية كدراسة حالة في الفشل النظامي. وفي إشارة خاصة إلى أصفهان – إحدى أكبر محافظات إيران وأكثرها خصوبة تاريخيًا – انتقد أبو ترابي المسؤولين لضخهم إمدادات المياه المحدودة في الجبال القاحلة لزراعة أشجار الفاكهة التي لم تنمو أبدًا في تلك المناخات.
وقال: "لقد دمروا مدينة عظيمة مثل أصفهان"، مشيرًا إلى أن هذه المشاريع الزراعية لم تفشل فحسب، بل استنفدت أيضًا نهر زاينده رود وعجلت من تدهور المناطق الحضرية. الصورة الأوسع التي ترسمها هذه التقارير هي اقتصادٌ لا يعاني من ضعف الأداء فحسب، بل ينهار بشكلٍ مُستمر. فمع انكماش الصناعات، وتشويه التضخم للأسواق المالية، وفشل سياسات الدولة في تصحيح المسار، يتزايد العبء على المواطنين العاديين. وبينما تفقد المستشفيات إمكانية الحصول على الإمدادات الطبية المستوردة، وتتعثر مشاريع البناء بسبب نقص الكهرباء، يواصل مسؤولو النظام تحويل الموارد الاستراتيجية إلى قوى إقليمية بالوكالة وبرامج الصواريخ الباليستية.
ورغم غموضها، فإنَّ نتائج مركز الأبحاث البرلماني لا تدع مجالاً للشك: لم يعد الاقتصاد الإيراني بحاجة إلى إصلاح، بل إلى إنقاذ. ومع رفض نظام الملالي تغيير أولوياته السياسية، يرى الكثيرون داخل إيران الآن أن اليأس الاقتصادي ليس نتيجةً جانبيةً لسوء الإدارة، بل نتيجةً متعمدةً لاستراتيجية دولة مبنية على الجمود الأيديولوجي والإنفاق العسكري.
إذا كان العام الشمسي الإيراني 1403 قد شهد انكماشاً صناعياً وتقلصاً في وصول الجمهور إلى السلع الأساسية، فقد استُهل عام 1404 بمؤشراتٍ على تفاقم عزلة النظام الاقتصادية، وتآكل شرعيته المحلية معها. وكما صاغ أحد المسؤولين في تصريح غير رسمي: "لم يعد هذا سوء إدارة، بل تدهور مُدبّر".