: آخر تحديث
يحضر في مجمل كتاباته العظماء من العرب ومختلف ثقافات العالم

عبد الفتاح كيليطو مُتوجا بجائزة الفيصل

24
24
25

أن يُحرز الناقد والأكاديمي الكبير عبد الفتاح كيليطو على جائزة الفيصل لهذه السنة فهذا يعني أن الجائزة لم تخطئ هدفها كما هو حال العديد من الجوائز العربية الرفيعة، وأنها ذهبت إلى من يستحقها عن جدارة.
إذ نحن تعودنا أن يفوز بمثل هذه الجوائز من تنهال عليهم المدائح من كل حدب وصوب، لأن وسائل الاعلام بمختلف أنواعها لا تتوقف عن الإشادة بهم وبأعمالهم، حتى من دون أن تكون لتلك الأعمال أهمية كبيرة، غير أن أصحابها يتقنون ترويجها، ويحرصون دائما على أن يكونوا في المشهد فلا يغفلون عن حضور ندوة، أو عن مهرجان، أو تظاهرة، حتى ولو كانت دون مستواهم المعرفي.

أما عبد الفتاح كيليطو فقد عوّدنا منذ بداية مسيرته على العمل في الصمت والوحدة، ودائما ينفر من الحديث عن نفسه وعن أعماله مثلما يفعل آخرون. كما أنه لا يُطيقُ الاطالة والاسهاب، لذا جاءت جميع كتبه التي تناول فيها بالبحث العديد من القضايا المتصلة بفن الكتابة، وأيضا بأعمال كبار الشعراء والمفكرين والكتاب العرب القدماء من أمثال ابن رشدن والمعري، والجاحظ، ومقامات المويلحي، و"ألف ليلة وليلة"، مُكثفة، وصغيرة الحجم، لكنها جمّة الفائدة والمنفعة.  

وخلافا للعديد من النقاد العرب مشرقا ومغربا الذين يتهافتون على الاستفادة من النظريات الغربية في مجال النقد تحديدا، خصوصا البنيوية التي طغت  خلال الأربعين سنة الماضية لينتسب إليها حتى أولئك الذين لم يتعمقوا في دراستها وفهمها، بحيث لم يأخذوا منها سوى القشور.
لذا تأتي كتاباتهم ودراساتهم سطحية، ومملة، وثقيلة، وفاقدة لتلك "المتعة" التي تحدث عنها رولان بارت.
أما  عبد الفتاح كيليطو فقد تعمّق في دراسة كل المناهج النقدية قديمها وحديثها. كما أنه قرأ  الأعمال الكبيرة في الأدب العربي، كما في آداب العالم، ونهل من الفلسفة في جميع أطوراها ما أكسبه دقة وعمقا في كل ما يكتبه مُتجنبا الثرثرة والاسهال وكل الأساليب المثيرة للملل.

لذلك، يحضر في مجمل كتاباته العظماء من العرب ومن مختلف ثقافات العالم لنجد المعري إلى جانب دانتي، والجاحظ إلى جانب دستويفسكي، وابن رشد إلى جانب مونتاني أو ديكارت، والمويلحي إلى جانب سارفانتس، وشعراء التروبادو.

ويروي عبد الفتاح كيليطو في سيرته المختصرة أنه تعرّف على رولان بارت أيام الدراسة الجامعية في الرباط، وأنه استمع إلى محاضرته التي حملت عنوان: "مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد".

وفي البداية لم يفهم  الكثير من كلامه، لكن شيئا فشيئا امتلك الأدوات النقدية والمعرفية التي خوّلت له الدخول بكل سهولة ويُسْر إلى العالم النقدي والفكري لصاحب كتاب: "الدرجة الصفر في الكتابة".

وبذلك أصبح من اتباعه المخلصين له لكن من دون أن يكون مقلدا أعمى له، بل  أنه كان يسعى دائما أن يستفيد منه لابتكار أدواته النقدية الخاصة به.

وبفضل رولان بارت، تعلّم عبد الفتاح كيليطو أن "الأدب الخالص" لا وجود له، وأن "تحليل نص أدبي يقتضي معرفة الأبحاث الحديثة في جميع المجالات".

ومُسَلّحا بالأدوات النقدية التي اكتسبها من خلال قراءته لرولان بارت وجاك دريدا وميشال فوكو وجيل دولوز وسوزان سونتاغ، شرع في دراسة الآثار العربية الكلاسيكية التي بدت له "كنوزا لا تُقدّر بثمن".  

لكن لماذا اختار عبد الفتاح كيليطو الاهتمام في كل أعماله بالأدب العربي الكلاسيكي؟ مُجيبا على هذا السؤال، هو يقول بإنه، في نهاية دراسته للأدب الفرنسي في باريس، أعدّ رسالة جامعية حول رواية: "عقدة الأفاعي" للكاتب المسيحي الكاثوليكي فرانسوا مورياك. وأثناء مناقشة تلك الرسالة، أعاب المشرفون عليها، غياب موقف صاحبها كـ"عربي مسلم" من الموقف الغربي المسيحي الذي طرحه صاحب الرواية المذكورة.

وتلك الإشارة الذكية أعادته إلى المتون العربية القديمة، ليتعمّق في دراستها برؤية فكرية ونقدية حديثه تزيل عنها غبار القرون المديدة وإليها تُعيد النقاوة والنضارة اللتين تحتاجهما كل الأعمال الأدبية والفنية العظيمة.
لذلك حصر عبد الفتاح كيليطو اهتمامه في المجال المذكور غافلا تماما عن الأدب العربي الحديث بعد أن تبين له أن الأدباء والشعراء العرب المعاصرين "مجرد تلاميذ حاذقين، مُخلصين، ولا شيء غير ذلك". 

ويرى عبد الفتاح كيليطو أن الكتابة مُرتبطة بالقراءة. لذا هو يردّ على الذين يسألونه: لماذا تكتب قائلا بأنه إذا ما انقطع عن الكتابة فإنه سينقطع حتما عن القراءة لأن الكتابة هي مواصلة التحاور مع الاخرين بقطع النظر عن الزمان والمكان، تماما مثلما كان يفعل بورخيس الذي به يهتدي، وإليه يكن تقديرا كبيرا ليكون بمثابة "المعلم" بالنسبة له.  

وعن السؤال التالي: "ما هو الكتاب الذي ستحملونه معكم إلى جزيرة غير مأهولة"، أجاب عبد الفتاح كيليطو قائلا: "لنقل اثنين: قاموس عربي وقاموس فرنسي بما أن التركيب بين الكلمات لا متناه مثلما فعل جيمس جويس في "يقظة فينيغن".
وفي عزلتي في الجزيرة قد أعيد بناء أجزاء من الأدب العربي، ومقاطع من الأدب الفرنسي، وشظايا من الأدب الغربي".


 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات