حسن اليمني
لا أحد ينكر عظمة الجهود المبذولة في تطوير وترقية آليات ووسائل الخدمة الحكومية في كافة المجالات إلى حد سبقنا فيه أرقى الدول تطويراً وتقنية بما يدعو للفخر والاعتزاز، لكن لا يخلو الكمال من شوائب يدرك الجميع أنها في مسار العلاج والتصويب، ومع هذا فلابد من التأشير على بعضٍ من هذه الشوائب لغرض استعجال المعالجة.
خلال بضع سنوات قليلة تسهلت سبل المراجعة للدوائر الحكومية والتعاملات البينية من خلال شبكة الاتصال الإلكتروني، إلى درجة انعقاد المجالس القضائية وإنهاء الدعاوى من خلال الشبكة الإلكترونية دون حاجة للخروج من المنزل، وصار استخراج الرخص والفسوح والأوراق الرسمية عملاً مريحاً يصل المواطن في داره دون حاجة للمراجعة والتعقيب، والحق أننا أمام إنجازات عظيمة لا يجهلها إلا جاهل أو مضطر للمراجعة في دول أخرى بما في ذلك كثير من دول أوروبا وأمريكا المتقدمة تقنية وتنظيم، فيدرك مدى رقي وتطور الخدمات في بلادنا.
ولأن الحصر أمضى من التعميم وأبلغ، فسأتحدث عن جهاز السير (المرور) وتجربة شخصية لاشك أن كثيراً من المواطنين وضيوف الوطن قد مروا بها من خلال حاجاتهم لخدمات هذا الجهاز، فمن خلال منصة «أبشر» الإلكترونية تقدمت لجهاز السير بطلب طباعة رخصة سير مركبة، وطلب آخر بتزويدي بلوحتي مركبة، وطلب ثالث باستبدال لوحة مركبة أخرى، وكانت تكلفة الرسوم الخدمية مائتي ريال فقط، وكل هذا جميل ورائع ولكن بكل أسف يتم اشتراط التسليم من خلال شركتي شحن مخصصة ومحددة، فكانت تكلفة الشحن لكل خدمة 109 ريال وبمجموع يصل 327 ريال، أي أن تكلفة الشحن تزيد على سعر الخدمة بنسبة أكثر من 160 %، والأعجب من هذا أن الأمر إلزامي ولا خيار للمستفيد، وفي الحقيقة لا يوجد منطق ولا يستوعب عقل هذا الإجراء، خاطبت جهاز المرور عبر منصة (X ) برغبتي باستلام طلباتي من خلال الحضور الشخصي وأفادني بإمكانية ذلك من خلال مراجعة أحد مراكز المرور، راجعت مركز مرور الشمال ومركز مرور الدرعية وكانت الإجابة ألا خيار إلا عن طريق شركات الشحن المحددة.
لاشك أن استخدام شركات الشحن لتسهيل إيصال الخدمات العامة يعتبر خدمة متميزة للمستفيد، ولكن استثمار هذه الخدمة وهذا التميز بسعر مبالغ فيه ينسف الرقي والتطور لهذه الخدمة ويحولها إلى حالة استثمار تجاري بحت، وفوق هذا مبالغة في سعر الخدمة بنسبة تصل – كما ذكرت سابقا 160 % - تجيّر لصالح شركة خاصة واستثنائية عن باقي شركات الشحن التي تقوم بنفس الخدمة بأسعار لا تتجاوز 25 ريالاً وفي كثير من الأحيان مجاناً دون تكلفة على المستفيد، الأمر الذي يجعل التعامل مع جهاز المرور ذا تكلفة عالية، والحق أنه ليس فقط جهاز السير بل معظم الخدمات الحكومية وخاصة التابعة لوزارة الداخلية كالجوازات والأحوال المدنية تحمل ذات التكلفة العالية في الشحن، وقد يكون المبرر خصوصية الخدمات المقدمة والحاجة لشركات شحن موثوقة وذات رقابة، لكن هذا لا يستوجب الإلزام وتضييق الخيارات بل يتوجب أن تكون تكلفة الشحن متوافقة مع السوق، أو أن يتاح للمستفيد خيار الاستفادة من شركتي الشحن أو الاستلام الشخصي الموثق، الإلزام بدفع تكلفة شحن مرتفعة لشركة أو شركتي شحن يزيد على تكلفة الخدمة ذاتها قد يأخذ أي وصف إلا وصف «تسهيل»، بما يجعل الترقية والتطوير للخدمة يأخذ جانب السلبية أكثر من الإيجابية.
إن تخصيص خدمات الجهات الحكومية لاشك مفيد ومساعد على ترقية وتطوير الخدمة، ولاشك أن خدمات القطاع الخاص استثماري وربحي لكن أن يتحمل المواطن تكلفته بما يزيد على تكلفة الخدمة المقدمة من شركات شحن أخرى وبشكل مبالغ فيه أمر لا يبدو مساعداً ولا خادماً للمستفيد، بل عبء مالي يزيد من تكلفة المعيشة خاصة حين يتجاوز مقارنته بمتوسط الدخل الشهري للمستفيدين بشكل عام، وبالتالي أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مراجعة لتكلفة خدمات الشحن وتوسيعها للوصول للمنافسة المفيدة وتحفيز التسويق الذكي، وتجنب التعاقد الخاص بين الجهة الخدمية وشركات الشحن وتحميل المستفيد تكلفة تحقيق أكبر قدر من الربح المالي إلا في حال توافر الخدمة الشخصية وجعل خيار التوصيل عبر شركات الشحن خياراً متاحاً وليس إلزامياً.