رامي الخليفة العلي
تأتي زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية في لحظة دقيقة من التحولات الإقليمية والدولية، لتؤكد مجدّدًا أن الرياض تقف في قلب التوازنات الكبرى في المنطقة، بوصفها لاعبًا محوريًا وركيزة للاستقرار والتنمية. هذه الزيارة، التي تشمل أيضًا قطر والإمارات العربية المتحدة، تحمل أبعادًا إستراتيجية تتجاوز الطابع البروتوكولي، إذ تنطوي على ملفات عميقة تلامس جوهر العلاقة بين دول الخليج والولايات المتحدة، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الشامل الذي لا يقتصر على المصالح الآنية، بل يرسم ملامح الشراكة المستقبلية بين الطرفين. المملكة العربية السعودية، التي تقود مشروعًا تنمويًا ضخمًا يعيد تشكيل البنية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة، ترى في التعاون الاقتصادي مع واشنطن فرصة نوعية لتعزيز قدراتها في مجالات متقدمة ومفصلية، خصوصًا أن هذه الاتفاقات المنتظرة ستشمل مجالات كانت محور قيود في السنوات السابقة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والبرنامج النووي المدني. وهذا التطور لا يعكس فقط تحولًا في السياسة الأمريكية بقيادة ترمب، بل يعكس أيضًا ثقة متبادلة في الرؤية السعودية التي تجسدها طموحات الأمير محمد بن سلمان، وتوجهات المملكة الإستراتيجية الجديدة. ومما يضفي على هذه الشراكة بعدًا خاصًا أن إدارة الرئيس ترمب لا تضع شروطًا سياسية تتعلق بمسائل سيادية أو خاضعة لمعادلات إقليمية معقدة، بل تتيح المجال لتعاون حر ومرن يقوم على المصالح المشتركة. وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند مسألة التطبيع مع إسرائيل، حيث تجدّد المملكة موقفها الثابت بأن أي تقارب لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يستند إلى المبادرة العربية ويضمن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. هذا الموقف يعكس انسجامًا عميقًا بين التزامات المملكة تجاه قضايا الأمة وواقعية إدارتها للملفات السياسية، وهو في الوقت نفسه مؤشر على أن الرياض لا تنظر إلى السلام كخيار مجتزأ، بل كمشروع شامل يجب أن يحقق الكرامة والعدالة للشعوب. إدارة ترمب، بدورها، تبدو أكثر وعيًا بهذه الرؤية، وقد أدركت أن هناك إرادة إقليمية تمثلها المملكة تدفع نحو الاستقرار والازدهار، في مقابل إرادة أخرى تسعى إلى تأجيج الصراعات وإبقاء المنطقة في حالة توتر دائم، وهي الإرادة التي تمثلها حكومة بنيامين نتنياهو، والتي لا تنسجم بالضرورة مع مصالح الشعب الإسرائيلي نفسه، بل تفوّت فرصة تاريخية لصناعة السلام. وفيما تتنوع الملفات المطروحة على طاولة الحوار، من وقف الحرب في غزة إلى محاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، مرورًا بزيادة التعاون الأمني والعسكري والنقاش حول مستقبل الوضع في سوريا، تظهر المملكة كقوة دفع رئيسية تعمل على نزع فتيل الأزمات لا إشعالها، وتؤدي أدوارًا دبلوماسية فعّالة، لا سيما في ما يتعلق بدعم سوريا والتخفيف من آثار العقوبات على إدارتها الجديدة، بما يمكّنها من تحمّل مسؤولياتها في مرحلة دقيقة من إعادة الإعمار الوطني. وفي ظل هذا المشهد، تتجه الأنظار من فلسطين إلى لبنان، ومن سوريا إلى اليمن، إلى الرياض، التي تثبت من جديد أنها ليست فقط عاصمة القرار الخليجي، بل مركز التوازن الدولي، ومحور التأثير الإيجابي الذي باتت الشعوب تتطلع إليه بحثًا عن الاستقرار والمستقبل الأفضل.