خيرالله خيرالله
تطرح زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة العربيّة السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر أسئلة وتحديات عدة إضافة إلى أنّها زيارة ذات أهمّية استثنائية.
في مقدّم التحديات التي تواجه الرئيس الأميركي في السعودية والإمارات وقطر سؤال في غاية البساطة والوضوح: من رئيس أميركا، دونالد ترامب أو بنيامين نتنياهو؟
في انتظار الإجابة عن السؤال، يمكن القول إنّ أهمّية الجولة الخليجية لترامب تعود إلى الأحداث التي يمرّ فيها العالم والمنطقة وهي أحداث لا سابق لها من زاوية حدوثها في الوقت ذاته. تستمّر حرب أوكرانيا التي مضت عليها ثلاث سنوات في وقت يخشى من تجدد المعركة بين دولتين تمتلكان السلاح النووي، الهند وباكستان. تستمر أيضاً حرب غزّة في ظلّ إصرار إسرائيلي على تكريس الاحتلال للقطاع أو لجزء منه. فوق ذلك كلّه ليس معروفاً بعد، هل استسلام الحوثيين في اليمن، كما يقول الرئيس الأميركي، ستكون له انعكاساته على موقف إيران في المفاوضات التي تجريها مع «الشيطان الأكبر»؟
تؤكّد جولة ترامب أوّلاً اعترافاً أميركياً بالدور المحوري للمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر إقليمياً ودولياً. ظهر ذلك بوضوح من خلال استضافة الرياض للمفاوضات الأميركية – الروسية من أجل إنهاء الحرب الأوكرانية المستمرة منذ ثلاث سنوات وأكثر. ظهر أيضاً، من خلال الوجود الإماراتي في صلب الوساطات الهادفة إلى جعل كلّ أزمة إقليمية قابلة للحل. يشمل ذلك الأزمة الناجمة عن الدور الإسرائيلي الهادف إلى تعطيل أي تقدّم في سوريا التي نفضت عنها النظام العلوي. أمّا بالنسبة إلى قطر، فهي لاتزال، مع مصر، بين الأطراف القليلة التي تستطيع إفهام «حماس» أنّ ما تقوم به هو استمرار للدور الذي لعبته الحركة، منذ قيامها، في خدمة مشروع اليمين الإسرائيلي...
الأهمّ من ذلك كلّه، هل تستطيع إدارة ترامب تأكيد أن لديها أجندة خاصة بها غير الأجندة الإسرائيلية، خصوصاً في شأن حرب غزّة. صحيح أن «حماس» تتحمّل مسؤولية اندلاع هذه الحرب عندما شنت هجوم «طوفان الأقصى» في السابع من اكتوبر 2023، لكن الصحيح أيضاً أن اليمين الإسرائيلي، عبر حكومة بنيامين نتنياهو يستغلّ حرب غزّة من أجل تصفية القضيّة الفلسطينية. هذا أمر لا يمكن أن تقبل به السعودية والإمارات وقطر. تمتلك كلّ من الدول الثلاث وجهة نظر خاصة في شأن كيفية التعاطي مع إسرائيل. لكنّ لدى الدول الثلاث نظرة موحدة من قضية فلسطين تقوم على أنّ الشعب الفلسطيني موجود على الخريطة السياسية للمنطقة ولا يمكن تصفية قضيته التي هي قضية حقوق مشروعة معترف بها من الأمم المتحدة.
توفر زيارة ترامب للسعودية فرصة كي تمارس الولايات المتحدة دورها القيادي على صعيد المنطقة. لا يقتصر الأمر على الموقف من إيران وملفها النووي وصواريخها وميليشياتها المنتشرة في المنطقة فحسب، بل لا بدّ أيضاً من موقف يتخذه الرئيس الأميركي من حلفائه الإقليميين أيضاً. بكلام أوضح سيكون مفتاح النجاح للزيارة سؤال آخر في غاية البساطة والوضوح، على غرار سؤال مَنْ هو رئيس أميركا: هل أميركا تابعة لإسرائيل أم لا؟ هل تستطيع أن تأخذ في الاعتبار مواقف حلفائها الإقليميين، الذين وقفوا معها تاريخياً وأن تقيم وزناً لما سيطرحونه على الرئيس الأميركي؟
من سوء حظ القمة العربيّة، المتوقع أن تستضيفها بغداد، أنّ موعدها يأتي مباشرة بعد الجولة الخليجية لترامب. ما قيمة أي قمّة، على الرغم من كل النيات الطيبة التي عبّر عنها رئيس الوزراء العراقي، من دون موقف جريء يضع الأمور في نصابها. من المفيد أن يتحدث محمّد شياع السوداني عن «نهج عربي جديد» وعن آفاق التعاون بين الدول العربية بقوله: «في لحظةٍ يغيب فيها الانخراط الدولي الفاعل لصالح شعوب المنطقة، تزداد أهمية امتلاكنا إستراتيجية تنموية عربية شاملة. ولهذا، يدعو العراق إلى اعتماد نهج اقتصادي تكاملي يُعالج التفاوت التنموي، ويعزّز القدرة الجماعية على مواجهة أزمات الغذاء والطاقة وسلاسل الإمداد. ونؤكد في هذا السياق أن مشروع «طريق التنمية» الذي أوشك على الاكتمال هو نموذج عملي لهذا التوجه، ويمكن أن يكون ركيزة لشراكات عربية حقيقية».
لا شكّ أن الكلام الجميل الصادر عن رئيس الوزراء العراقي كلام في محله، لكن كيف يمكن إعطاء هذا الكلام معنى ما من دون التطرق إلى ما يؤرق العالم العربي بسبب رفض إيران أن تكون دولة طبيعية من دول المنطقة ومن دون موقف واضح من ممارسات «حماس» المصرّة على احتجاز رهائن إسرائيلية، خصوصاً أن ذلك يسهّل على بنيامين نتنياهو استكمال تدميره للقطاع؟
قبل الخوض في مشروع «طريق التنمية»، توجد حاجة إلى طرح أسئلة بديهية من نوع ما يفيد دعم إيران الحوثيين بالصواريخ ووسائل القتال بحجة «إسناد غزّة»، في ما لا ضرر حقيقياً يلحق بإسرائيل، بل إن الضرر الحقيقي يلحق بالاقتصاد المصري في ضوء هبوط عائدات قناة السويس.
تضع الجولة الخليجية لترامب السياسية الإقليميّة للولايات المتحدة على المحكّ. في المقابل تكشف قمة بغداد منذ الآن أنّ الحاجة، قبل الحديث عن «شراكات عربية حقيقية» إلى الاعتراف بالواقع الإقليمي المؤلم الذي جرّت إليه إيران المنطقة واتخاذ موقف واضح وصريح منه.