: آخر تحديث

ثغر الحبيب بأشعار العرب

1
1
1

علي الخزيم

قال شاعر مُتيَّم يتغنى بثغر حَسناء:

(وثغرُها لا؛ لن أبوحَنْ بهِ

قَطْرُ الندَى اسْتَحَمَّ فيه الشفَقْ

تنفّستْ من فوقهِ بسمةٌ

نديّةٌ مثل ابتسام الفلَقْ)!

في ثقافة العرب قديمها وحديثها احتفاء غير خَفِي ولا مُخجِل بمفهوم القُبلة ومعانيها ومدلولاتها ومآلاتها العاطفية؛ وحين عَم الإسلام بنوره جزيرة العرب لم تَبْدُ أي ملامح ظاهرة للحيلولة دون ذاك المفهوم والتعابير الرقيقة اللطيفة المتعلقة به، غير أن الإسلام قد هَذَّب النفوس وعمل على إتمام مكارم الأخلاق؛ وفي هذا الجانب كان لا مناص من مراعاة الآداب وحماية جوانب الفضيلة عند الاتجاه لمثل هذه الممارسات قولًا وعملًا إذا ما أُخِذ كمُقدمة وتَدَرّج إلى مُمارسة مشروعَة بين قلبين يَعبُران به إلى ما بعده. وفي هذا قال العباس بن الأحنف:

(أَمّا الهَوى فَهوَ شَيءٌ لا خَفاءَ بِهِ

شَتّانَ بَينَ سَبيلِ الغَيِّ وَالرَشَدِ

إِنَّ المُحِبّينَ قَومٌ بَينَ أَعيُنِهِم

وَسمٌ مِنَ الحُبِّ لا يَخفى عَلى أَحَدِ)!

والشاعر المخضرم كعب بن زهير بن أبي سُلمى لا يأنف من وصف جمال ثغر حبيبته لحظة تَبسُّمها وإشراقة جمال أسنانها وما بينهما حتمًا ـ برأيه ـ من ريق عذب؛ ومَازَج وصفَه تعبيرًا مُستَمدًا من ثقافته قبل الإسلام مع أنه ألقى قصيدته هذه بَين يدي رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم- إذ قال:

(تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت

كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ)

ومِمَّا يُطرب السامع من أجود وأجمل ما قالته العرب بالغزل قول جرير بن عطية:

(مثلوجة َالريقِ بعدَ النومِ واضعة

عنْ ذي مثانٍ تمجُ المسكَ والبانا)

أي إنها تصحو من نومها باردة البال مع رائحتها الطيبة؛ وتكشف عن شعرها ذي الضفائر والذوائب المتموجة فوق بعضها البعض! وحين نعود إلى تخيل البيئة المُعاشَة آنذاك فإن الصور المُتخَيلة تكون أبلغ وأجمل لفهم ما أبدعه الشاعر من وصف؛ وما يجيش بخاطره من وَلَه وعِشق للمحبوبة التي أخذت بشغاف قلبه. جزيرة العرب (قبل الإسلام وبعده) لم تكن بمعزل عن العالم، ولا أدل على هذا من أثر التبادل التجاري مع الأقاليم المحيطة وأبعد منها كشرق آسيا مثلًا؛ وقد سَجّل الشّعراء والكتَّاب ما يدل على تأثرهم بمعطيات تجارتهم وتنقلهم وترحالهم بين تلك الأصقاع؛ فمنه ما نسب إلى النابغة الشيباني:

(وقد عبِق العبير بها ومسك

يخالطه من الهنديّ عود)

وقول عمرو بن الخزرجي:

(إذا ما مشت نادى بما في ثيابها

ذكيّ الشَّذا والمَنْدلي المطَيُّر)

وهو البخور المَنْدلي نسبة إلى قرية هندية تنتجه طَيّب رطب فتثبت رائحته بالملابس والفُرش. ومن قول امرئ القيس:

(إذا قامتا تَضَوّع المسك منهما

نسيم الصّبَا جاءت بريّا القرنفل)

وقال الأعشى:

(إذا تقوم يضوع المسك اصورةً

والزنبق الورد من أردانها شملُ)

وبعد: فمن ذاك الذي يصف عرب الجزيرة بأنهم قُساة كصحرائهم؛ فقد تجنى القائل على الصحراء وساكنيها الذين تعلموا منها الصفاء والنقاء والطهر والوفاء؛ وورثوه لأعقابهم حتى الساعة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد