: آخر تحديث

صدام حضارات وجهل متبادل

14
13
8

في كتابه الشهير صدام الحضارات (The Clash of Civilizations) الذي نُشر سنة 1996، توقّع المفكر الأميركي صامويل هنتنغتون أنَّ النزاعات في القرن الحادي والعشرين لن تكون بسبب الأيديولوجيا أو الاقتصاد، بل ستكون بين الحضارات والثقافات، فالصراعات المستقبلية بعد الحرب الباردة لن تكون بين دول أو أيديولوجيات كالرأسمالية أو الشيوعية، بل بين حضارات وثقافات مختلفة!

ربما الظاهر في الوقت الحالي أن الصراع سياسي اقتصادي في ظاهره، لكن هناك صراعاً ثقافياً دينياً عميقاً خفياً ينشط بقوة، ومنها الصراع الغربي ضد العالم الإسلامي، والصين وصعودها كقوة حضارية منافسة، كذلك الصراع بين الثقافة الأرثوذكسية الروسية والثقافات الغربية، والتوترات بين الهندوس والمسلمين.

قديماً، كان يُقسَّم العالم إلى حضارات رئيسية كالحضارة الغربية، والحضارة الإسلامية، والحضارة الكونفوشيوسية (الصين)، والحضارة الأرثوذكسية (روسيا)، والحضارة الهندوسية، وحضارات أميركا اللاتينية وإفريقيا، وإن كانت ذات ثقل حضاري أقل مما سبق ذكره.

أمَّا بخصوص نظرية صدام الحضارات فقد انقسمت الآراء حولها، فالبعض يرى إنها واقعية ولكنها متقمصة شكل حروب اقتصادية وجيوسياسية ومصالح مادية ونفوذ، ويرى بعض المحللين أن صراع الحضارات الحقيقي لم يبدأ بعد، بينما يرى آخرون بأن هذا الصراع واقع ملموس منذ زمن بعيد، وملامحه تُرى في صراعات الشرق الأوسط وصعود الصين، والمتمعن في بواطن الأحداث يرى بأننا فعلاً نعيش في عالم فيه من التوترات الحضارية والثقافية أكثر مما ذي قبل، وإن كانت هذه الصدامات تلبس جلباب الصراعات الاقتصادية والهيمنة على ثروات الدول المستضعفة.

التوتر بين الغرب والعالم الإسلامي بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 التي غيّرت شكل العالم، حيث بدأ الغرب ينظر إلى الإسلام كتهديد ثقافي، وكذلك العالم الإسلامي بدأ يشعر أنَّه مستهدف من الحضارة الغربية، والحروب التي تلت ذلك في العراق وأفغانستان، والربيع العربي وما خلفه من دمار في عدد من البلدان العربية تحديداً، وما نتج عنها من نظرة سلبية من الغرب تجاه المسلمين بسبب الإعلام والتصريحات السياسية خصوصاً في أميركا وأوروبا، وما تلاها من ممارسات عنصرية تجاه المسلمين أو بما يُسمى الإسلاموفوبيا، كل ذلك أكّد وعزّز نظرية الصراع الذي يتبناه الغرب تجاه الحضارة الإسلامية.

الصراع في فلسطين صراع ديني، الصراع بين الهند وباكستان صراع ديني، الصراع بين أذربيجان وأرمينيا صراع ديني، القتل والتنكيل بشعب الروهينجا في ميانمار صراع ديني، الصراع في البوسنة والهرسك صراع ديني، الصراع في دول إفريقيا صراع ديني، وهناك العديد من الصراعات التي تستعر نيرانها بين الفينة والأخرى هي صراعات حضارية ثقافية، هكذا يجب أن نُسمي الأسماء بمسمياتها الحقيقية. اليوم، وبعد كل هذه الصدامات، أصبحت العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي أكثر توتراً من ذي قبل، لكن في نفس الوقت هناك وعي متزايد وحوارات ثقافية ومحاولات لفهم أعمق للطرفين، لكن يبقى التحدي الأكبر هو الإعلام والخطابات السياسية التي تحرّف صورة الآخر.

على النقيض من ذلك، المُنظّر والمفكر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد كانت له وجهة نظر مغايرة لنظرية صامويل هنتنغتون، حيث اعتبر أن المشكلة بين الغرب والمسلمين ليست صراع أو صدام حضارات، إنما هو صراع جهل بين الشعوب. كتب مقالاً بعنوان: صراع الجهل (The Clash of Ignorance) سنة 2001، ونُشر في مجلة The Nation بعد أسابيع قليلة من أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ذكر فيه بأن نظرية صدام الحضارات تتعامل مع الحضارات كأنها جدران سميكة لا تتحرك ولا تتغير، وكأن جميع المسلمين متشابهون وكل الغربيين نسخة طبق الأصل. ويذهب سعيد بالقول بأن العالم الإسلامي متنوع بشكل رهيب، وينحدر المسلمون من ثقافات وأعراق مختلفة، وكل واحد له ثقافته وتاريخه وحتى فهمه الخاص للإسلام، بمعنى آخر لا يصح القول بأن الإسلام ضد الغرب لأنه لا يوجد شعب إسلامي واحد أي ذات ثقافة واحدة، كما لا يوجد غرب واحد. إذاً، فالجهل المتبادل هو المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الشعوب، وهي أساس الصدام الذي نعيشه اليوم، فالغرب يجهل الإسلام والمسلمين، والإعلام يصوّرهم كأنهم متطرفون كلهم، وفي المقابل كثير من المسلمين يجهلون الغرب ويظنونه عدواً للإسلام، والنتيجة خوف وكراهية وحروب، والضحية دائماً الشعوب.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.