: آخر تحديث

هل بدأ العد التنازلي لفاتحة حربٍ عالمية ثالثة؟

2
2
2

ليس في الأمر ثمة تشويق صحفي مفتعل حين تُقرع طبول الحرب من جديد في سماء الشرق. حين يكون ثمة تهديد لأن يُجرب النووي في هذا الشرق الضحية. فالتغريدة الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب على منصة "إكس" والتي دعا فيها إلى "إخلاء طهران فورًا"، قبل الاجتماع المرتقب بعد ذلك بساعات، وتبعتها تهديدات إسرائيلية صريحة باستخدام السلاح النووي ضد العاصمة الإيرانية. وفي الخلفية، تتردد أصداء معلومات عن تزويد الصين لإيران بصواريخ متطورة، الأمر الذي يكاد يُحسم بأننا أمام مرحلة ما قبل الانفجار، بل إن الصين دعت جاليتها في - إسرائيل - للمغادرة حالاً...!

إنها رسائل واضحة بعيدة عن التشفير؟!

وها يجد العالم، الذي لم يخرج بعد من رماد الحرب الروسية الأوكرانية، نفسه على مشارف جبهة جديدة أكثر تعقيدًا، وأشد التباسات. جبهةٌ لا تدور فقط على الأرض، بل في عقولٍ متصلبة، تتحرك على إيقاع سرديات الاصطفاف، وتغذّيها أوهام السيطرة، ونزعات الثأر التاريخي. ومن بين كل الضحايا المحتملين، سيبقى الأبرياء هم أوَّل من يُسحقون تحت جنازير الغطرسة، لا لشيء سوى أنهم وقعوا بين مطرقة الملالي وسندان القوى المتصارعة.

لقد تنمّر نظام طهران طويلًا على المنطقة، مسكونًا بهواجس الامتداد الإمبراطوري. ولم يعد خافيًا كيف أُغرقت شوارع دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء بأجندةٍ دخيلة متنمرة مستوحشة ممهورة بالتعصب المذهبي، والمشانق السياسية، والاغتيالات الصامتة. لم يكتفِ بذلك، بل بنى لنفسه شبكة ميليشيات تتحدث بلسانه في أكثر من ساحة. غير أن ما غفل عنه عقل الملالي المتغطرس، أن تراكمات التدخل، مهما راكمت من سلطات، لا تصنع هيبة، ولا تؤسس لاستقرار، بل تجرّ البلاد والمنطقة بأكملها إلى الخراب.

والمؤلم في المشهد أنَّ إحدى حضارات الشرق العظمى تاريخيًا، حضارة فارس التي أنجبت الشعراء والحكماء وأطلقت الضوء من بين الجبال، تُختطف اليوم وتُختزل في صورة قاتمة رسمتها ثقافة مستجلبة، تلبست الدين في إحدى صوره أو نسخه المزيفة لتقود الناس إلى الزنازين بدل الجامعات، وإلى المقابر بدل المتاحف. ومعروف أنَّ الإيراني البسيط، ذاك الذي يقرأ حافظ الشيرازي كل مساء، ويتأمل الأنهار القديمة، ليس مسؤولًا عن العسكرة التي تسللت إلى روحه، بل عن البوصلة التي أُزيحت من يده منذ أن تحولت طهران إلى عاصمة حرس لا دولة.

لكن وسط هذه الغيوم النووية الداكنة، يبقى السؤال: هل نحن أمام فاتحة لحربٍ عالمية ثالثة؟

الشرق الأوسط، الذي كان دومًا أرض النبوءات والتصادمات، يبدو اليوم أشبه ببرميل بارود مفتوح، على تخومه تتحرك القطع الاستراتيجية كأنها على رقعة شطرنج لا لاعب فيها رحيم. تركيا، ولعلها الأذكى في قراءة اللحظة، بدأت تستشعر الزلزال القادم، ففتحت قنواتها مع واشنطن وموسكو وطهران، محاولة أن تتموضع قبل العاصفة. أما العرب، فما زالوا بين من يراهن على الحياد، ومن يقرأ النذر ويتحسب للأسوأ.

إنَّ الانفجار الأعظم في طهران - فيما إذا وقع - لن يتوقف عند حدودها، بل سيتدحرج مثل كرة نار، ستحرق ما تبقّى من استقرارٍ هش في المنطقة، وستغيّر خريطة التحالفات، وربما تفتح الباب على نظام عالمي جديد، يُصاغ بالدم والرماد. إذ لا يلوح في الأفق سوى الخراب، لا على مستوى الخرائط السياسية فقط التي رُسمت خطأ وما يجري جزء من تداعياتها، بل في نسيج حياة الناس العاديين. إذ إن المنطقة والعالم مقبلان على مرحلة غلاء حاد، وتشريد جماعي، ومجاعة وفقر، وعودة قسرية إلى الوراء. فكل حرب تُشعل أسعار الغذاء والطاقة، وتقطع سلاسل الإمداد، وتفتك بالضعفاء أولًا. لقد رأينا ذلك في سوريا، وفي اليمن، وفي ليبيا، وفي أوكرانيا، وحتى في روسيا ذاتها، حيث لا تنتصر المعارك، بل ينتصر الفقر، ولا تنمو الدول بل تتآكل المجتمعات.

ليس بخاف أننا نعيش - حقًا - زمن القنابل الذكية، ولكن بعقولٍ متحكمة متسلطة غبية، عقولٍ تستدعي المآسي وتورط الأمم في حروب لا يعلم أحد متى تنتهي، ولا من يبقى بعدها ليحصي الخسائر. زمن درونات الجان الجانية التي يحتاج الذكاء المصطنع في إدارتها إلى متعاون داخلي، لدى هذه الجبهة أو تلك. يمنحها ما يلزمها من بيانات دقيقة، نتيجة انهيار أخلاقي وعوامل وأسباب كثيرة، لا بد من دراستها!

فلنصمت لحظة، بعيد تغريدة ترامب، وتهديدات نتنياهو، احترامًا لأبرياء عالمنا المشرقي: لطفلٍ في شيراز، أو امرأةٍ في القدس، أو شيخٍ في غزة، أو في كردستان لا يريد شيئًا من هذا العالم سوى أن يعيش دون أن تهوي عليه السماء. وحقيقة أننا قد لا نكون بعد في الحرب، لكننا قطعًا في محيطها. وها الدوامة بدأت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.