: آخر تحديث

الشرق الأوسط بين عواصف التغيير وإشكالية الحلول

0
0
0

تُعِجُّ الساحة الشرق أوسطية بتسارعٍ مذهل للأحداث، تُصاحبها ضجيجٌ سياسي وعسكري لا يكاد يخبو، حيث تُسقط العواصفُ المتلاحقةُ أوراق اللعبة القديمة وتفرز تحالفاتٍ جديدة في مشهد يصعب معه الفصل بين الواقعِ والخيال. فمنذ سنوات، ونحن نشهدُ تحولات جذرية في خريطة القوى، حيث تهاوت أحزاب كانت تُمسك بخيوطِ مصائرِ دولٍ بأكملها، بينما انحسرت أخرى وألقت بسلاحها تحت وطأة الضغوط الإقليمية والدولية، تاركةً وراءها إرثاً من الجروحِ والاستفزازات. وفي المقابل، برزت فصائلٌ وحركاتٌ كُبرى عكست إصراراً على البقاء، حتى وإن كان وجودُها مُرتبطاً بمنطقِ الصراعِ الدامي، فيما لا تزالُ جماعاتٌ أخرى تتخبط في ضبابية المستقبل، تنتظر مصيراً مجهولاً في ظلِّ توازناتٍ دولية متقلبة.

لا تقتصر التحولات على الفاعلين فقط، بل تمتدُّ إلى الأنظمةِ نفسها، التي شهدت تقلبات دراماتيكية تُحاكي أفلام الخيال السياسي. هنا تبرزُ حكمة تلخص واقعنا المرير: «السياسة فنُّ الممكنات»، فما كان مستحيلاً بالأمس يصبح اليوم واقعاً ملموساً، وما بدا راسخاً كالجبال يتبددُ في غمضةِ عين. وفي خضمِّ هذه العاصفة، يطفو سؤال مُلحّ على السطح: هل ثمة أفق قريب لحل عادل للقضية الفلسطينية يرضي غالبية الأطراف؟ وهل سنشهدُ إعلان دولة فلسطينية تحظى باعتراف الرئيسِ الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته المرتقبة للشرق الأوسط، لا سيما دول الخليجِ التي تعتبر حليفاً استراتيجياً لواشنطن؟

لا يمكن استبعاد أي سيناريو في ظل سياسةِ «المفاجآت» التي اشتُهر بها ترامب، الذي أعاد رسم التحالفات بلمسة غير مسبوقة. لكن التعاطي مع القضية الفلسطينية يظل أشبه بمشهد من مسرحية قديمة، حيث تتداخل المصالح وتتناقض المواقف، بينما يدفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً للصراعِ على الخريطة الجيوسياسية.

أما في العراق، فتبدو الأزمة ذات طابعٍ خاص، فالحكومة العراقية تحاول جاهدة إثبات حضورها الإقليمي عبر نشاط دبلوماسيٍ مكثف، بدءاً من استضافةِ القمة العربية ومروراً بالزياراتِ المعلنة والخفية إلى دول الجوار والخليج. لكنّ الحقيقة المُرة تكمن في أن الملف العراقي ما يزال مغلقاً في أدراجِ السياسة الأميركية، حيث لم تُبدِ إدارة ترامب اهتماماً جاداً بمعالجة تعقيداته، سواءً أكانت متعلقة بأزمات النفط واختلافاتِ إقليم كردستان، أم بمشكلةِ العملة والدولار التي تهدد استقرار البلاد في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تمس لقمة عيش المواطن.

لا تخلو الساحةُ الداخليةُ من إشكالات أكثر تعقيداً، فالتصريحات المتفجرة التي أطلقها رئيس البرلمانِ العراقي محمود المشهداني حول ملفات الفساد المُتجذرة، وكذلك المُقارنةُ الجريئةُ التي أشار إليها السيد نوري المالكي، زعيم تحالف دولة القانون، بين واقعِ الاقتصادِ العراقيِ سابقاً وحاضراً – حيث كان مليون برميل من النفط كفيلاً بتحقيق استقرار مالي، بينما ثلاثةُ ملايين ونصف اليوم لا تكفي لسد رواتب الموظفين – تلقي الضوء على عمق الكارثة.

وفي قلب الأزمة الاقتصادية، يبرز ملفّ نفط إقليم كردستان كواحد من أكثر القضايا إثارة للجدل، فمع إعلان الأطراف الأربعة الرئيسية – الإقليم، الحكومة الاتحادية، تركيا، والشركات الأجنبية – عن استعدادِها للحل، تتعثر المفاوضات في متاهات المصالحِ المتضاربة. والنتيجة؟ مواطنون في الإقليم ينتظرون رواتبهم كأنها «معجزة» شهرية، بينما تزداد الهوة بين الشمال والجنوب في دولة يفترض أن تكون موحدة.

ختاماً، أكرر ما دأبت على تأكيده في كل محفل: إن أي خطوة تخطوها الحكومة، أو أي قرار تتخذه الأحزاب والقيادات، يجب أن يقاس بمعيار واحد فقط: هل يُحقق مصلحة المواطن العراقي، بغض النظر عن انتمائه العرقي أو المذهبي؟ إنَّ المسؤولية هنا ليست سياسية فحسب، بل هي أخلاقية ودينية أمام الله والتاريخ. فهل من مُستمعٍ؟

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.