الذين يتحدثون عن تيران وصنافير وكأنهما قطعة من أرض وُلدت بلا نسب، أو تاهت بين الخرائط، يغفلون عن حقيقة ثابتة لا تمحوها الأصوات المرتفعة ولا الكتابات الانفعالية. فالمملكة العربية السعودية هي التي امتلكت السيادة على الجزيرتين منذ ما قبل منتصف القرن العشرين، وهي التي خاطبت مصر رسميًا عام 1950 لتطلب منها إدارة الجزيرتين لأغراض دفاعية مؤقتة، حمايةً للمضيق الاستراتيجي من التوسع الإسرائيلي، لا تفريطًا ولا تفويضًا دائمًا.
إنَّ من يطلب الحُكم في هذا الأمر، وجب عليه أن يعود إلى الأرشيف، لا إلى صفحات التواصل الاجتماعي، وإلى المراسلات الرسمية لا إلى خطب الحماسة الحمقاء. فكل ما قدّمته المملكة ومصر من وثائق تاريخية، منذ خمسينيَّات القرن الماضي وحتى اليوم، يُظهر أن ملكية السعودية للجزيرتين لم تكن محل نزاع جوهري بين الدولتين، وإنما كانت الإدارة المصرية وضعًا عارضًا اقتضته ظروف الحرب، ثم طال أمده مع تعاقب الحكومات.
لقد وقّعت الدولتان في نيسان (أبريل) 2016 اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، لا على وجه المجاملة أو التنازل، ولكن وفق دراسة فنية، وقانونية، وتاريخية طويلة الأمد، أشرفت عليها لجان مختصة في الجغرافيا، والدفاع، والسيادة. ولم تكن مصر، التي طالما احتكمت إلى العقل في اللحظات الحاسمة من تاريخها، لتوقّع على شيء يمس أرضها أو يسىء إلى كرامتها، ما لم تكن على قناعة راسخة بأن الحق في الجزيرتين ليس لها.
الموضوع لم يبقَ في حيز الافتراض؛ حيث مضى إلى مؤسسات الدولة، وأُقرّ بما لا يدع مجالًا للشك أو التأويل. السيادة عادت إلى صاحبها الشرعي، والمملكة السعودية لم تتعامل مع المسألة من منطلق القوة أو الضغط، بل من منطلق احترام القانون الدولي، وحسن الجوار، والحرص على الشفافية بين الأشقاء.
إنَّ قضية تيران وصنافير تُعدّ أنموذجًا نادرًا في العالم العربي لمعالجة النزاعات الحدودية بالحكمة والوثيقة، لا بالبندقية والاحتجاج. والسعودية إذ تستعيد أرضها، فإنها تُؤكد أن السيادة مسؤولية، وأنها ملتزمة، كما أعلنت، بكل الترتيبات الأمنية الدولية التي تحكم هذه المنطقة الحساسة. ومن هنا، فإن إنصاف السعودية في هذه القضية درس في احترام الحق وإن تأخر الاعتراف به.