كانت التوقعات تذهب إلى الاعتقاد باختلاف ديناميكيات عمل العقل السياسي الإيراني، وعمق حساباته المستقبلية بشأن مفهوم القوة ومدياتها، عن المفاهيم التي سيطرت على التفكير السياسي العربي خلال نصف القرن الأخير.
إغراءات السلاح النووي كانت أشبه بالحلوى التي تسقط الفأر في المصيدة، وهكذا كانت التجربة العراقية ومشروع السلاح النووي والكيمياوي الذي انتهى بسقوط نظام صدام حسين وإعادة العراق إلى مرحلة التخلف والانحطاط والفساد، بعد أن كان يُحسب العراق بكونه دولة صاعدة في مدارج التنمية والتطور. كذلك الحال مع نظام القذافي في ليبيا، وبرغم استسلامه وتسليمه جميع ما يتعلق بالمشروع النووي، لكن معاقبته بقيت هاجساً شاغلاً حتى سقوط نظامه وإعادة ليبيا إلى مرحلة صراع القبائل بالسلاح وانهيار البنى التي تحققت خلال أربعة عقود!
دول العالم النووية لا تسمح لدول جديدة بالتسلل إلى النادي النووي، وامتلاك هذا السلاح الذي يهدد بفناء البشرية والحياة على الكوكب الأرضي، من قبل أنظمة تعيش مراهقة سياسية وثورية، وهي لم تنجز استقرارها في بناء دولة لها تعريف حضاري وضوابط سلوكيات دولية راسخة، بل تجد فيها زعامات مراهقة يدفع بها الهوى السياسي الثوري من جهة، وهاجس امتلاك القوة وعناوين البطولة من جهة ثانية، وتلك الظاهرة تشكل خطراً على العالم وتاريخه في بناء مجتمعات مستقرة، وحياة ترفل بالأمان والازدهار.
إيران لم تستفد من تجربة العراق، وكذلك ليبيا؛ توهمت الدعم الغربي الذي قُدم لها بعد اجتياح العراق للكويت، وذهبت أبعد مما فعل العراق وليبيا في بناء عدة مفاعلات نووية، وأهملت بناء الصناعة والتقنيات الحديثة والاستفادة من الوفورات المالية لارتفاع أسعار النفط، لا بل أهدرت تلك الثروات العظيمة على التجارب والمفاعلات النووية ولوازمها. تورطت إيران بهذا المدخل الذي أحال الدولة إلى حصارات مشددة وأم تحصد شعوبها المزيد من الشعارات والفاقة والجوع ومجاعات لشعوبها، ثم استنزاف القدرات في قضم بطيء لإمكاناتها ومنشآتها... حتى أصبحت دولة خاوية!
عقل سياسي إيراني يجنح نحو الحرب وإنشاء أذرع مسلحة، ومنذ نجاح الثورة 1978 عُرفت بكونها دولة إسلامية متطرفة ومصدّرة للإرهاب! ولم تراجع نفسها، ولن تصغي إلى الخط الإصلاحي الذي تزعمه الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني بالانفتاح على الغرب وإعادة بناء الدولة والمجتمع، بل واصلت منهج الثورة والقوة على حساب بناء الدولة، وكان الرهان على المشروع النووي يمثل أولوية، وسعت نحو السيطرة وتسقيط دول بسيطة ومكتفية بذاتها مثل لبنان وسوريا واليمن، تحت عنوان محور المقاومة والعقيدة الذي تلاشى بين ليلة وضحاها!؟
والآن يستمر التفاوض وتعرية وكشف مشروعها النووي أمام أميركا والوكالة الدولية للطاقة، ويتزامن ذلك مع تحطيم قواعدها الاقتصادية، وستنتهي لعبة التفاوض ليس بانتهاء حلم الحصول على النووي وحسب، بل سوف يداهن المفاوضون، وتمتلئ حقائبهم مع كل جلسة بشروط وفروض جديدة، حتى تتظافر الأحداث لإنجاح برنامج أميركا - إسرائيل بتغيير بنية النظام الإيراني سياسياً، وشرذمة مجتمعه، وتطبيعه على قواعد فساد سياسي، وانهيار ثقافي وحضاري وأخلاقي، كما حدث ويحدث في العراق وليبيا، وتلك أخطر نتيجة تبلغها الدول التي تتورط في اللعب مع الأقوياء!