تقدم ريبيكا ريفريو، رئيسة تحرير "المجتمع البرلماني" البريطانية، للعالم ثلاثة صحافيين سعوديين، تركي الدخيل وجميل الذيابي وابراهيم المهنا، وتسميهم منارات تضيء عالم الصحافة السعودية.
إيلاف من لندن: "منذ بشّرت صحيفة Acta Diurna بميلاد النبأ في روما في عام 59 قبل الميلاد، إلى صخب مطبعة غوتنبرغ في ألمانيا وأنتويرب، ألّفت الصحافة ملحمتها المذهلة، إلى أن وصلت الحكاية إلى صحيفة Daily Courant في عام 1702، اليومية التي سكبت حبر الحداثة على نسيج المجتمع". بهذه الكلمات، تفتتح ريبيكا ريوفريو، رئيسة تحرير مجلة "المجتمع البرلماني" البريطانية، مقالةً تقدم فيها للعالم ثلاثة من أعلام الصحافة التنويرية وسادة الفكر في السعودية: تركي الدخيل وجميل الذيابي وابراهيم المهنا.
تضيف: "إن الصحافة التي نحتفي بها اليوم تطورت، وصارت سمفونية متناغمة من الأصوات، يتسع نطاقها ليضم الإعلام المرئي والمسموع والرقمي، إضافة إلى الصحف والمجلات الورقية المستمرة إلى اليوم في أن تكون صدى صادقًا لأفكار الإنسانية وآرائها".
بحسب ريوفريو، صارت الصحافة مع الأيام "صوت الناس"، تتلقف همساتهم وتحولها إلى صرخة مدوية. تقول في مقالتها: "الصحافة تحث الحكومات على الإصغاء إلى الرأي العام، وتدفع بالمجتمعات إلى التفكير والنمو، وترغم الأفراد على الاستماع إلى الصوت الآخر، متجاوزين الحدود والأيديولوجيات". هذه حصيلة 28 عامًا قضتها ريوفريو مقيمة في المملكة المتحدة، كانت خلالها مطلعةً على تفاصيل الرأي العام والفوارق الدقيقة في هذا الرأي بين قضية وأخرى، لا سيما في ما يتعلق بالشرق الأوسط. تقول: "غالبًا ما يرسم المشهد الإعلامي صورة قاتمة للعالم، إلا أن صحفيين دوليين قلائل تلطفوا بمشاركة ما توصلوا إليه من حكمة في الرأي، فأحيوا الأمل في عالم واحد".
عقول منيرة
تركي الدخيل وجميل الذيابي وابراهيم المهنا، ثلاثة أعلام في عالم الصحافة، تصفهم ريوفريو بأنهم "منارات تضيء سماء الصحافة السعودية". فالدخيل دبلوماسي وصحفي وقطب إعلامي مؤثر، توغلت مسيرته المهنية الثرية في جوانب إعلامية لا تعد ولا تحصى. بدأ رحلته في مهنة المتاعب في عام 1989، وبرز متخصصًا في الإعلام، وسرعان ما صار علمًا معروفًا في جميع أنحاء العالم العربي.
في تعداد إنجازاته وتقييم تأثيره، تقول ريوفريو: "تحت إشرافه، صارت قناة العربية الإخبارية صوتًا مؤثرًا في المنطقة. وأكدت مساهماته في تعزيز حضور منصات إخبارية، مثل صحيفة ’إيلاف‘ الإلكترونية وموقع ’العربية‘، تكريسه حياته للابتكار والتحديث. أما سعة ثقافته وبراعته في التعبير فتظهران في كتاباته التي تغطي مروحة واسعة من الموضوعات المختلفة، من السياسة إلى التحديات الشخصية مثل فقدان الوزن".
كذلك، تحصي ريوفريو الجوائز والتقديرات التي نالها الدخيل في مسيرته المهنية، "فقد أختير من بين أشد الشخصيات العربية تأثيرًا، وأحد أقوى السعوديين تأثيرًا في العالم، وما الجوائز التي نالها إلا برهان على تفانيه في الدفاع عن حقوق الإنسان وتمكين المرأة في المجتمع السعودي". وتختم ريوفريو بالإشارة إلى كتاب الدخيل التسامح زينة الدنيا والدين، ترى فيه شهادةً على إيمانه بالتعايش مع الآخر ومكافحة التطرف.
الرحالة المُلهم
أما الذيابي فهو رحالةٌ في رحلةٍ دفتها الإلهام ووقودها التفاني في العمل والمهارة في التعبير والوضوح في الرؤية. رفعه سعيه الدؤوب للتميز إلى مناصب تحريرية في مؤسسات إعلامية بارزة، مثل صحيفتي "الحياة" و"عكاظ". أما جهوده الحثيثة للانتقال بالصحافة من الورقي إلى الرقمي فدليل على قدرته على التكيف والقيادة في مشهد إعلامي يتطور بشكل متسارع.
تقول ريوفريو: "إن مشاركة الذيابي في هيئة الصحفيين السعوديين وعمله مشرفًا عامًا على مدرسة الحياة الصحافية في السعودية يسلطان الضوء ساطعًا على التزامه بناء جيل جديد من الصحفيين المتمكنين. وأتى الاعتراف بمساهماته في هذا المجال من خلال نيله جوائز عدة، بينها جائزة Tarim وعبد الله عمران في عام 2016 عن فئة ’الحوار‘".
للذيابي دراسة تحليلية منشورة بعنوان الإعلام الخليجي بين الحرية والرقابة، وكتاب بعنوان إيران ورقصة السرطان، "يُظهران فهمه العميق للسياسة الإقليمية ولديناميكيات الإعلام"، كما تقول ريوفريو.
مؤثر في سياسات النفط
أخيرًا، المهنا أكاديمي وخبير معروف في مجال الطاقة، في سجله أكثر من 35 عامًا في الخدمة العامة، عين مستشارًا لأربعة وزراء طاقة في المملكة العربية السعودية. تتحدث ريوفريو عن تميزه الأكاديمي، فتقول:
"سمحت له فترة عمله أستاذًا في جامعة الملك سعود بنقل معرفته في موضوعات كثيرة، بما فيها الطاقة والاقتصاد والسياسة والاتصالات، وبالتالي تشكيل عقول الجيل المقبل من العلماء، فيما تؤكد مساهماته الناشطة في المحافل الدولية، مثل منظمة أوبك ومجموعة العشرين والمنتدى الاقتصادي العالمي، تأثيره في رسم السياسات في ميدان الطاقة، ويبرز دوره في إقامة الحوارات بين منتجي النفط ومستهلكيه، ومساهمته في تأسيس مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية، التزامه تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال".
المهنا كاتب يحظى باحترام كبير، له كتب ودراسات بالإنكليزية والعربية، محورها الطاقة والسياسات الدولية والإعلام، بينها دراسة مسهبة لتحولات النظام الدولي، وتحليل دقيق للتحولات في النظام والاقتصاد العالميين. تقول ريوفريو: "نال كتابه الجديد Oil Leaders (قادة النفط) اعترافًا دوليًا، يقدم فيه نظرة إلى كواليس استراتيجيات الطاقة العالمية للسعودية وأوبك، ولمحة فريدة عن العالم المعقد لسياسات النفط. يجد القارئ بين ضفتي الكتاب رؤى شخصية وتقييمات صريحة لقادة عالم النفط، والآثار الدائمة التي تتركها مساهماتهم وقراراتهم".
تجاوزوا حدود الجغرافيا
تختم ريوفريو، رئيسة تحرير مجلة "المجتمع البرلماني" البريطانية، مقالتها بالقول إن هؤلاء المتنورين الثلاثة يمثلون "أرقى مظاهر الصحافة والقيادة في السعودية؛ إذ تجاوزوا حدود الجغرافيا، وانخرطوا في السياسة العالمية وحقوق الإنسان والتحديث ومواجهة تحديات العصر الرقمي". تضيف: "تظهر إنجازاتهم الرائعة في الصحافة والدبلوماسية وعالم الطاقة البصمة المهمة التي يتركها الأفراد في تشكيل المجتمعات والديناميكيات العالمية. ففي عصر صارت فيه المعلومة مصدر القوة، تعكس مساهماتهم المسؤولية الملقاة على عاتق الصحفي والمفكر، وتسلط سيرهم الضوء على مسارات تؤدي إلى التحول والتقدم، وتعيد تأكيد القيمة الدائمة للنزاهة والتميز والابتكار في عالم الصحافة المتطور".
وإذ تختار ريوفريو جملةً من الدخيل، قائلةً إن التسامح هو "النبض الحيوي للبشرية جمعاء"، تقول: "فلنعمل كي لا يكون هذا التسامح ذكرى عابرة، وليكن جوهر مستقبلنا، جوهرًا يمكننا جميعًا مشاركته والاحتفاء به، تكريمًا لمن يجرؤون على إنارة الطريق للآخرين. ففي نهاية المطاف، ليست الصحافة مهنةً فحسب، إنما هي قضية ورسالة وإرث".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة ريبيكا ريوفريو في مجلة "المجتمع البرلماني" البريطانية