في ذكرى اغتيال الزميل الصحفي كاوا كرمياني ( 5 ـ 12 ـ 2013)
قبل 9 سنوات بالتمام والكمال، قُتل محرر و رئيس تحرير مجلة (رايل ـ Rayal) الزميل والصديق الصحفي كاوا كرمياني أمام منزله في قضاء كلار التابع لإدارة كرميان والواقع إلى جنوب مدينة السليمانية، بعد ان يأس جلادوه من احتواء مجلته وشراء ذمته وكسر إرادته.
كان كرمياني يبحث دائماً في قضايا الفساد وحقق فيها بمهنية وشجاعة، ونتيجة لتقاريره وأبحاثه تعرض كرمياني للتهديد بالقتل والضرب وكسر معداته وأدواته الصحفية. وبسبب هذه التهديدات، قدم كرمياني شكوى ضد بعض مسؤولي الاتحاد الوطني الكوردستاني في محكمة كلار ولكن دون جدوى.
قبل اغتياله بايام معدودة كتب الزميل الشهيد كرمياني في نهاية مقاله: (لايمكن ارجاع مشاكل الفساد الإداري إلى موظفي الإقليم الذين لا تغطي رواتبهم رمق العيش، بل يقع اللوم على حيتان الفساد والحزبيين المتنفذين، فليس من المعقول التوقع باستاقامة الظل اذا كان العود أعوجأ).
وبعد نشر هذه الكلمات هددوه بالقتل عبر الهاتف المحمول وقالوا له: (حضر كفنك يا ابن الكلب)، إلا ان كرمياني أبى الاستسلام ووعد بنشر تحقيق استقصائي في مجلته الشهرية (رايل) عن الفساد وتهريب النفط الخام في منطقة كرميان المغدورة والمحروقة بسموم البعث الفاشي، ونشر اسماء المفسدين والمتورطين بسرقة قوت المواطن رداُ على تهديدهم .ولكن قبل اصدار المجلة ونشرالوثائق عن السرقات ونهب النفط واسماء الحيتان الحزبية المتنفذة والمتورطة في هذه السرقات، إغتالوه امام انظار والدته وزوجته (شيرين أمين) التي عاشت يتيمة بعد ان انفل النظام العراقي البائد عائلتها وقتل والدها.
لم تكن جريمة اغتيال الزميل كرمياني، الجريمة الأولى في إقليم كوردستان الذي يتقاسم الحزبين المتنفذين (الاتحاد الوطني الكوردستاني والديمقراطي الكوردستاني) سلطة الحكم منذ عام 1992 لحد هذه اللحظة، ففي تموز 2008 اُغتيل كل من الصحفي سوران مامه حمه والكاتب الدكتور عبدالستار طاهر شريف في مدينة كركوك، ولا يزال المجرمون طلقاء من دون أن يتم الكشف عنهم.
وفي 11 أيار سنة 2010 أغتيل الزميل الصحفي سردشت عثمان، بسبب انتقاده لسياسة الحزب الحاكم في اربيل، حيث كان يستمتع باستغلال مهاراته الكتابية في تحدي السلطة. ومن الجدير بالذكران عثمان تعرض قبل خطفه امام جامعة صلاح الدين في اربيل وثم اغتياله بطريقة وحشة إلى تهديدات بالقتل.
تنبأ عثمان في مقالته الأخيرة بمقتله، وكتب يقول: (لست خائفاً من الموت بالتعذيب، إنني هنا أنتظر موعدي مع قتلتي، وإنني أدعو من أجل موت يكون على أشد قدر ممكن من المأساوية، كحياتي اليومية).
وفي 13 آب سنة 2016 اغتيل مراسل وكالة (روژنيوز) الزميل الصحفي ودات حسين في مدينة دهوك، ولم يتم اعتقال أحد حتى الآن بتهمة قتل حسين.
ويرى المراقبون ان اسباب قتل الصحفيين المستقلين تعود لعدم اتخاذ المحاكم قرارات صارمة تجاه القتلى، ناهيك عن عدم اعتقال السلطات لأي أحد يقف وراء قتل الصحفيين عدا حادثة اغتيال الصحفي كاوا كرمياني والتي أدين بها شخص واحد فقط. فيما لا يزال مرتكبو جرائم القتل بحق الصحفيين الآخرين طلقاء، فضلاً عن إغلاق السلطات لهذه القضايا حتى دون الوصول للمجرمين الحقيقيين.
إقليم كوردستان في الصدارة
احتلت العاصمة بغداد وأربيل، صدارة المحافظات التي شهدت أكثر انتهاكات بحق الصحفيين، فيما استحوذ إقليم كوردستان بشكل عام على الحصة الأكبر.
وجاء ذلك بحسب مؤشر الرصد السنوي لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق للمدة من 3 أيار 2021 ولغاية 2 أيار 2022. وأشّرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق نكوصاً مماثلاً لما سجلته العام الماضي، في أعداد الانتهاكات التي تطال الصحفيين في مجال الصحافة والإعلام، من خلال الرصد اليومي والآني لمجمل الانتهاكات.
وخلال الفترة التي غطاها التقرير، رصدت الجمعية (280) حالة انتهاك طالت الصحفيين والصحفيات على حدٍ سواء، وشملت مختلف أنواع الانتهاكات كمحاولة (اغتيال، اقتحام وهجمات مسلحة، اختطاف، تهديد بالقتل، إصابات أثناء التغطية، رفع دعاوى قضائية وفق قوانين صيغت أثناء الحقبة الدكتاتورية الفاشية ) .
وسجلت الجمعية ( 192 )حالة اعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية، و( 36) حالة اعتقال واحتجاز دون مذكرات إلقاء القبض، و( 10) حالات لتهديد بالقتل والتصفية الجسدية.
أما فيما يخص توزيع الانتهاكات وفق المحافظات فكان إقليم كوردستان بالمرتبة الأولى بتسجيله( 83 )حالة انتهاك، واحتلت مدينة أربيل الصدارة بعدد الانتهاكات حيث شهدت وحدها ( 56) حالة، لتشارك العاصمة الاتحادية بغداد بعدد الانتهاكات التي سجلت( 56 )حالة أيضاً، وجاءت مدينة كركوك ثانيًا بـ(37 )حالة انتهاك، تليها الموصل ثالثاً بـ(27 )حالة انتهاك.
وقالت الجمعية إن المحافظات التي لم تسجل انتهاكات لا يمكن اعتبارها آمنة، لأن ذلك يعود إلى خشية صحفييها من الإبلاغ عن الانتهاكات التي ترتكب بحقهم وأيضًا لشبه خلو بعض المحافظات من الصحفيين والاعلاميين، على إثر موجة الاغتيالات والتهديدات المباشرة التي طالت معظمهم.
ويرى المراقبون ان هذه الأرقام تحمل دلالات خطيرة على مقدار الحرية الذي يتمتع به الصحفيون لأداء عملهم، ولكن الأسوأ هو أن جميع هذه الجرائم أفلت مرتكبوها من العقاب، ففي الغالب تلجأ مجموعات مختلفة إلى شن حملات تحريضية يعقبها عنف لإسكات الأصوات المنتقدة والإعلاميين والصحفيين وعوائلهم، خاصة أولئك المهتمين بكشف انتهاكات حقوق الإنسان، بينما فشلت الجهات المختصة في تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.
مالعمل
من الضروري هنا ان نكرر ما قلناه سابقاً بان على الجهات المعنية في الإقليم، ان تقوم بأجراء تحقيقات شاملة بشأن الاعتداءات التي لم تُحل ضد الصحفيين، بما في ذلك جريمة اغتيال الصحفيين، والاعتداء على المحطات التلفزيونية والإذاعية واعتقال الصحفيين والاعلاميين بحجج واهية، ومحاسبة جميع المسؤولين الحزبيين وكبار المفسدين (المتنفدين الحزبيين) عن هذه الجرائم بدون استثناء، وضمان تمكين عائلات الصحفيين الشهداء والمختفين من السعي لمعرفة الحقيقة حول مصير أقاربهم دون خشية من الانتقام والثائروالعقاب، إضافة إلى ذلك عليها ان تكشف بشكل شفاف عن نتائج أي تحقيق رسمي بشأن المضايقات المتعمدة والاغتيالات والملاحقات والاعتداءات على الصحفيين وتوفير التدريب والتثقيف للمسؤولين في الأجهزة القضائية والأمنية (الاسايش) والشرطة من أجل ضمان عدم احتجاز أي صحفي بصفة مخالفة للقانون بسبب عمله، وإصدار شجب علني لحالات الاحتجاز غير المشروع ومحاسبة المسؤولين الحزبيين عنها، والقيام بخطوات لتعديل قانون الصحافة بالتشاور مع الصحفيين المحليين والدوليين، بهدف إزالة المواد المطاطية وغامضة الصياغة والقابلة لإساءة الاستخدام والملاحقات القضائية المسيَسة.
كما ينبغي على المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان وتحديداُ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبموجب خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة حياة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب والعمل مع الجهات المعنية في الإقليم لتطوير وتحسين التشريعات والآليات لحماية الصحفيين والاعلاميين وضمان حرية التعبير والمعلومات، كما ينبغي على منظمات المجتمع المدني العمل مع الجهات المعنية في الإقليم لتعزيز سيادة القانون من خلال البرامج التدريبية وإقامة مؤسسات حكومية قوية ومستقلة.
اخيرًا ..
في الذكرى السنوية لإغتيال الزميل كرمياني الذي دفع حياته ثمن صدقه وشجاعته وتمسكه بالقلم الحروالكلمة الحرة، أقول:
صدقت ايها الشهيد عندما كتبت وقلت في مقالك الاخير: لا يستقيم الظلُّ والعودُ أعوجُ ..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاوا محمد احمد المعروف بـ (كاوا كرمياني)، مواليد 1981، صحفي متخصص بالتحقيقات في قضايا الفساد المالي والإداري في إقليم كوردستان ورئيس تحرير مجلة رايل الشهرية في كلار، ومراسل اذاعة ازادي ـ الحرية التابعة للحزب الشيوعي الكوردستاني في كرميان، والصحفي في جريدة (أوينة المستقلة) و(كرميان اليوم)، مجل (البحث). عُرف كرمياني بكتاباته الجريئة والموضوعية التي تلامس هموم المواطن وتكشف قضايا الفساد في المؤسسات الحكومية في إقليم كوردستان. اُغتيل في ليلة الخامس من كانون الأول 2013 امام منزله بعد ان نشر تحقيقا مس احد القياديي في الاتحاد الوطني الكوردستاني.