: آخر تحديث

الصين و التموقع الاستراتيجي

43
37
32
مواضيع ذات صلة

يتم تقديم علاقة التقارب الاستراتيجي،  بين الصين وروسيا، على أنها متينة  وحاسمة، في رسم خريطة النظام الدولي الراهن.  

لكن من وجهة معينة، وأكثر دقة، فالعلاقات الصينية الروسية، معقدة بالفعل، ومتشابكة وغير متكافئة.
في هذا التقارب الثنائي، تفوق الصين على مستوى التمركز الدولي التجاري، واضح بالفعل، وعلى عدة مستويات، والذي يمكن أن يزداد أكثر قوة، إذا انقلب الغزو المعلن على أوكرانيا، لغير صالح  موسكو.
فالصين، الشريك الإقتصادي الجديد لاوكرانيا، في العقد الأخير، تعلم أن الحرب الحالية، مهما كانت النتيجة، ستغير في كل الأحوال، من الوضع، جيو-إقتصادي السابق.

كل هذا ستستفيد منه الصين، في سيناريوهات مستقبلية، خاصة بمجالها الاستراتيجي الواسع، في التحرك والتموقع، و تحاول ان تجعله، في منأى عن التدخلات الغربية والأمنية. مجالها الحيوي ذاك، الذي يمتد من جزيرة  تايوان، متقاطعا مع، مصالحها الدولية الأسيوية، دون إغفال، مسألة توازن القوى، في الأقاليم البحرية وفي المحيط الهادئ. 
في هذا السياق الدولي، إذن، تستخدم الصين حذرا وصمتا استراتيجيا، لموازنة وقياس إجراءات سياستها الخارجية المستقبلية، وفقا لتطور الوضع الدولي، وعلى ايقاع  مجريات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.
فهي طريقة للاستعداد للمفاجئات المستقبلية، وحجز مساحة للمناورة الاقتصادية، مع العلم أن تداعيات الحرب، والعقوبات الاقتصادية (بما في ذلك ما يتعلق باستبعاد البنوك الروسية، من نظام سويفت) ستغير الوضع على طول آلاف الكيلومترات، خاصة بالنسبة للنقل التجاري عبر المسالك البرية، وبشكل عام للتجارة مع أوكرانيا، وروسيا، وبيلاروسيا. 

وقد يؤدي الانشغال الروسي، بتداعيات الحرب، إلى قيام النظام الصيني، بالاستثمار بشكل أكبر، في مساحة النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي والاستراتيجي، لمنطقة أوراسيا (الطاقة، والموارد الطبيعية، والدخول في تعاون وشراكة مع الأنظمة القائمة) لهذا يظل النظام الصيني، مراقبا حذرا، مستغلا الوقت الكافي لصالحه، بعيدا عن التوترات والنزاعات، وبحثا عن فرص التأثير الديبلوماسي والإستثمار الناجح.

فكأن الصين، تغير من موقفها ببطء، تجاه الأزمة، حيث يبدو موقفها أقل غموضا، على الرغم من أن هذا، لم يتضح بعد كاملا، إلا أن هناك، العديد من العوامل، التي ستجعلها تتراجع، عن تبني أي تأييد للغزو الروسي، لحرمة أراضي دولة سيادية عضو في الأمم المتحدة، بما في ذلك، اعتبار حسابات مصالحها المعلنة وغير المعلنة، والروابط الدبلوماسية والعسكرية، التي تجمعها في اتفاقيات سابقة، مع أوكرانيا، دون نسيان الاعتبارات الاستراتيجية الأخرى.

بالنسبة للصين، تعتبر أوكرانيا بوابة أساسية، ومركز عبور مهم، إلى قلب الاتحاد الأوروبي.

وهي تقيم بشكل إيجابي، اتفاقية أوكرانيا التجارية الإقتصادية  لعام 2017، مع الاتحاد الأوروبي. لهذا السبب تعتبرها السلطات الديبلوماسية الصينية، بمثابة جسر للتواصل بين الشرق والغرب، بدلاً من أن تكون جبهة أمامية للمنافسات الجيوسياسية، بين أطماع روسيا وإغراءات الحلف الأطلسي.

وللصين حسابات أخرى، تجعلها لا ترغب في أن تتأثر، بتداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية، المفروضة على روسيا، والتي بدأت في إفراز نتائجها تدريجياً

في حين، يشير المراقبون،   إلى أن استبعاد روسيا من  نظام سويفت، قد يؤدي بدوره إلى تقريبها من المساعدات الصينية، إلا أن الصين، تسعى  بحذر، إلى عدم إظهار أي موقف في هذا الاتجاه، يعين روسيا على  التهرب من آثار  العقوبات.

فتبعا، لما جاء في آخر خبر اقتصادي متداول، فلقد أوقفت بعض البنوك الصينية، إصدار ارساليات الاعتماد لشراء السلع الروسية. فالذي يبدو أن الجهات المالية الفاعلة في الصين، قد لا تكون في الواقع، مهتمة بالمراهنة، على الاقتصادات المعطوبة، أو المهددة بالاختناق، وهذا ما حدث لها، سابقا، في حالة فنزويلا أنموذجا.

ولد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذن، إجماعا غير مسبوق، بين دول معسكر الحلف الاطلسي، وهو أمر لا تحبذه السلطات الصينية كثيرا.  فمن الناحية الإستراتيجية البراغماتية، فهي على عكس روسيا، ترنو إلى أن تكون هناك دول في الاتحاد أوروبي، مستقرة، لكن متباعدة ومشتتة في تحديد علاقاتها  الخارجية، داخل سوق أوروبية مشتركة كبيرة ومتكاملة، ستدعم وتستقبل خاصة صادراتها. في غضون ذلك، ستضطر الصين، ربما، إلى إعادة النظر في حساباتها، إذا أرادت الحفاظ على علاقتها مع روسيا، التي تواجه عقوبات اقتصادية قاسية.

فإما البقاء بالقرب من روسيا، أو تقييم إحجامها عن الوقوف إلى جانب موسكو في الأزمة الحالية. في كلا الحالتين هذا سيؤثر حتما، على علاقة الصين بالاتحاد الأوروبي، والدول الأوروبية الموجودة على حدود النزاع، ويمكن أن يسرع تفاقم توتر جديد على الصعيد العالمي. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي