: آخر تحديث

واشنطن و رقصة التحالفات في شرق المتوسط

78
64
75
مواضيع ذات صلة

يشهد التوتر المتصاعد حول النفوذ والطاقة قي شرق البحر المتوسط منعطفًا دقيقًا وحسّاسًا بوصفه يرسم معادلات اقليمية جديدة تعكس الخلفيات الاستراتيجية للدول من خلال المبارزة بين كلٍّ من تركيا واليونان.  

وفي وَقتٍ تندفع فرنسا إلى توحيد الصف الأوروبي والضغط على حلف شمال الأطلسي  الناتو للخروج بموقفٍ حازم حيال تركيا ، فإن الولايات المتحدة تبدو أكثر ترويًّا لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية ورغبتها في سحب فتيل الأزمة للحد من اي  مواجهة عسكرية محتملة.  

وفي هذا السياق جاءت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المتكررة الى لبنان كما العراق بهدف  إيجاد موطئ قدم فرنسي  في الساحل الشرقي للمتوسط عبر البوابة اللبنانية ومرفأ بيروت. واستكمالاً ايضًا للموقف الفرنسي الرافض للتعاون التركي مع حكومة الوفاق الليبية حول موارد الطاقة والغاز والنفط جنوب المتوسط.  

أما موقف واشنطن - الى الآن-  فيتجلى من خلال محاولتها الحفاظ على وحدة الناتو للحد من الاستفادة الروسية من المتغيرات الإستراتيجية الحاصلة لا سيما وان الوجود العسكري الروسي يمتد على طول ساحل الشمال السوري . ولفهم الموقف الأميركي من التحالفات في المتوسط لا بد من الوقوف عند نقاط عدّة أهمها :  

أولا: حاولت واشنطن القيام بخطوات متوازية تجاه كل من أثينا وأنقرة على حدٍّ سواء حيث اجرت القوات الأميركية مناورات عسكرية مع اليونان، أعقبتها بأخرى مماثلة مع تركيا. كما أعلنت واشنطن رفعها جزئياً، ولمدة عام واحد، الحظر الذي تفرضه منذ أكثر من 30 عاماً على بيع قبرص معدات عسكرية "غير فتاكة" بالتزامن مع اعلان وزارة الدفاع الأميركية عن قلقها من الانتشار العسكري الفرنسي في شرق المتوسط، الذي جاء دعما لليونان في مواجهة التحركات التركية. 

ويمكن القول أن الولايات المتحدة غير راضية عن تحركات تركيا أو اليونان كليهما، وهي لا تريد للنفوذ الفرنسي ان يتمدد في المتوسط ، كما انها منزعجة في الوقت عينه من تنامي سطوة أردوغان على الرغم من دعمها له في الساحة الليبية لمحاصرة فرنسا في أفريقيا وتقييد نفوذها.  

وفي السياق عينه فإن مساعي ماكرون في لبنان نحو تشكيل حكومة بمشاركة "حزب الله" يعكس التغاضي الفرنسي عن الدور الايراني في لبنان، وهو ما لا يروق للادارة الأميركية التي تسعى الى ايجاد صيغة تؤدي الى استغلال حقول الطاقة في شرق البحر المتوسط عبر تأسيس علاقات تعاون بين جميع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل ولبنان والحكومتين في قبرص.  

ثانيًا : تحاول واشنطن الحدّ من التمدد الروسي في المتوسط عبر الحفاظ على وحدة الناتو من خلال دعم الجهود الألمانية للتهدئة ومنع الصدام بين الحلفاء.  إن غياب الموقف الروسي العلني الصريح من الأزمة حتى الساعة يكرس مبدأ واشنطن الداعم للقيادة الألمانية بوصفها الدولة الأكثر وزنًا في الاتحاد الأوربي لضمان وحدة حلف شمال الأطلسي وعدم الانجرار الى تصدعه لا سيما وان كلا من فرنسا واليونان وتركيا أعضاء فيه.  

ثالثًا: الجدل الدائر في أروقة الإدارات الأميركية حول المصالح الأميركية الخارجية  وتضاربها في أكثر من قضية لا تحتمل الدخول في حربٍ أو الانزلاق الى نزاع عسكري لا يستفيد منه أحد ، فالبنتاغون والاستخبارات لديهما أجندات قد لا تتماشى مع هذا الطرف أو ذاك في ظل مشهد يعج بالتعقيدات الإستراتيجية المتشابكة فإن الادارة الأميركية تسعى للتهدئة خشية  الوقوع في فخ صراع عسكري لا يمكن لأي من الطرفين أن يكسبه من دون وقوع خسائر فادحة في المصالح الأمنية لمنظومة الحلف والمصالح الأمنية الغربية والاميركية على حد سواء.  


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في